على ظاهره، لأن الله تعالى أورث ذلك بني إسرائيل مدّة، ثم دمّره جميعه.
فإن قيل: في قوله تعالى وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) وَفِي ذلِكُمْ: إن كان إشارة إلى الإنجاء فليس فيه بلاء، بل هو محض نعمة، وإن كان إشارة إلى القتل والأسر، فإضافته إلى آل فرعون بقوله تعالى وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أشدّ مناسبة لسياق الآية، وهو الامتنان: ولهذا قيل:
يقتّلون ويستحيون، فأضاف إليهم الفعلين.
قلنا: البلاء مشترك بين النعمة والمحنة، لأنه من الابتلاء وهو الاختبار يقال بلاه وابتلاه: أي اختبره، والله تعالى يختبر شكر عباده بالنعمة، ويختبر صبرهم بالمحنة، يؤيّده قوله تعالى وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ [الآية ١٦٨] وقوله تعالى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:
٣٥] فمعنى الآية، وفي ذلك الإنجاء نعمة عظيمة من ربّكم عليكم.
فإن قيل: في قوله تعالى: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ [الآية ١٤٢] المواعدة كانت أمره بالصوم في هذا العدد، فلم ذكرت الليالي مع أنها ليست محلّا للصوم، بل يقع في القلب أنّ ذكر الأيام أولى، لأنها محل الصوم الذي وقعت به المواعدة؟
قلنا: العرب في أغلب تواريخها إنّما تذكر الليالي وإن كان مرادها الأيام لأن الليل هو الأصل في الزمان، والنهار عارض لأن الظلمة سابقة في الوجود على النور. وقيل إنه كان في شريعة موسى (ع) جواز صوم الليل.
فإن قيل: ما الحكمة من قوله تعالى فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الآية ١٤٢] وقد علم مجموع الميقات من قوله تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ [الآية ١٤٢] ؟
قلنا: فيه فوائد: إحداها التأكيد.
الثانية أن يعلم أن العشر ليال لا ساعات. الثالثة أن لا يتوهم أنّ العشر التي وقع بها الإتمام كانت داخلة في الثلاثين، يعني كانت عشرين وأتمّت بعشر، كما في قوله تعالى: وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ [فصّلت: