منهم على إنزال السورة، فلم قال تعالى: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) .
قلنا: قوله تعالى مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) أي مظهر ما تحذرون ظهوره من نفاقكم، بإنزال السورة وهو مناسب لقوله تعالى تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [الآية ٦٤] الثاني: أن معناه مظهر ومبرز ما تحذرون من إنزال السورة.
فإن قيل: لم قال تعالى تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ وإنباؤهم بما في قلوبهم، تحصيل الحاصل، لأنهم عالمون به فما فائدته؟
قلنا: معناه تنبّئهم بأن أسرارهم وما كتموه من النفاق شائعة ذائعة، وتفضحهم بظهور ما اعتقدوا أنه لا يعرفه غيرهم، ولا يطّلع عليه سواهم، وهذا ليس من تحصيل الحاصل.
فإن قيل: لم قال الله تعالى:
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [الآية ٦٧] وقال بعده وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الآية ٧١] وكلمة «من» أدل على المشابهة والمجانسة، من حيث أنها تقتضي الجزئية والبعضية، فكانت بالمؤمنين أولى وأحرى، لأنّهم أشدّ تشابها، وتجانسا في الصفات والأخلاق؟
قلنا: المراد بقوله تعالى:
بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أي بعضهم على دين بعض، أي على عادتهم وخلقهم بإضمار لفظة الدين أو الخلق ونحوه، لأن «من» تأتي بمعنى على، ومنه قوله تعالى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا [الأنبياء: ٧٧] وقوله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ [البقرة: ٢٢٦] أي: يحلفون على وطء نسائهم وهذا هو المعنى المراد في قوله عليه الصلاة والسلام «فمن رغب عن سنّتي فليس مني» وقوله عليه الصلاة والسلام «من غشّنا فليس منا» . والمراد بقوله تعالى بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي أنصارهم وأعوانهم في الدّين وكل واحدة من العبارتين صالحة، للفريقين إلا أنه خصّ المنافقين بتلك العبارة، تكذيبا لهم في حلفهم السابق، في قوله تعالى وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ [الآية ٥٦] وتقريرا لقوله تعالى وَما هُمْ مِنْكُمْ [الآية ٥٦] .
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ [الآية ٦٩] مع أن