للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الثاني: الحديث دليل على أن من وهب هبة يريد بها العوض فإنه لا بد من العوض أو ترد الهبة إليه، ويسمى هذا النوع من الهبة: هبة الثواب، وهي العطية التي يبتغي بها الواهب الثواب -أي: العوض- من الموهوب له.

فإن أُعطي عنها ما يرضيه وإلا فله الرجوع فيها، بخلاف الهبة المطلقة وهي التي لمحض الثواب الأخروي مع قصد توثيق عرى المحبة، فلا رجوع فيها بعد قبضها، كما تقدم.

ومعرفة أن الهبة للثواب يدرك بالقرائن والعرف والعادة، فإن من أهدى إلى الأمراء أو الأغنياء ونحوهم فإنما يريد العوض والرِّفْد، لا يريد بذلك مجرد المحبة والتقرب، كما تقدم.

وهذا النوع من الهبة له حكم البيع؛ لأنه تمليك بعوض بلفظ الهبة، فيأخذ أحكام البيع.

وقد تقدم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة، فأثابه عليها حتى رضي، فقد لاحظ النبي - صلى الله عليه وسلم - مقصد الواهب، وهو أنه يريد العوض فأعطاه حتى أرضاه، وهذا من كرم الأخلاق، وهو أولى من رد الهدية إذا كان مَنْ قَبِلَهَا يستطيع العوض، وفيه اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يقبل الهدية ويثيب عليها، كما تقدم.

فإن كان المهدي جَشِعًا لا يرضيه إلا شيء يضر المهدي إليه، أوكان المهدي إليه لا يستطيع العوض لفقره، فلا بأس أن يرد الهدية.

والقول برجوع الواهب إذا لم يعوض عن هبته هو قول النخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وابن جرير الطبري، استدلالًا بأثر عمر - رضي الله عنه - وغيره (١). واستثنوا هبة ذي الرحم فلا رجوع فيها مطلقًا.

وذهب الإمام أحمد في المشهور عنه والشافعي وأبو ثور إلى أنه لا


(١) انظر: "التحقيق" لابن الجوزي (٨/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>