حرارة القطر في هذه الأعصر الأخيرة على ما كانت عليه في الأعصر الغابرة، وبأنه لو بقي له أثر لوجد جلده وتداول بين مجاوري ساحة استقراره وغير ذلك من العلل الواهية.
هذا والأسد ويقال له الليث والضرغام في أسام كثيرة هو من أعظم الحيوانات المفترسة يصطاد عادة بالليل وهو في إفريقيا أكثر وأكبر جسما منه في آسيا ولا يوجد في أمريكا ولا في الجهة التي تحل فيها الأسلحة النارية.
وكأن حدوث هذه الأسلحة بهذه النواحي هو الذي أبعده منها للمحل الذي ذكرنا.
قال في "حياة الحيوان": قالوا وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع، ومن شرف نفسه أنه لا يأكل من فريسة غيره فإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها وإذا جاع ساءت أخلاقه، وإذا امتلأ من الطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب، وقد أشار إلى ذلك الشاعر بقوله:
وأترك حبها من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه
إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه (١)
انتهى.
وقد تعقب الفاضل الشيخ محمد فريد وجدي كلام صاحب حياة الحيوان بما لفظه: نقول يستبعد العقل امتناع الأسد عن ماء ولغ فيه كلب، أوّلاً لأن الأسد والكلب لا يجتمعان على ماء واحد حتى يرى أحدهما الآخر، وليس للأسد من خصيصة تطلعه على الغيب فتدله على أن كلبًا ولغ في هذا الماء أو ذاك، ويظهر لنا أن السبب في هذا القول هو ذلك الشعر، فإن الشاعر لما ذكر ترفع نفسه شبه نفسه ومعشره بالأسود ونظراءهم بالكلاب، وقرر أن الأسود لا ترد ماء ورد فيه الكلاب،