فجاء الباحث عن طباع الحيوانات فنقل ذلك نقلا وجعله من صفات الأسود الحقيقية وهو خيال، انتهى.
وأقول إن ذلك الانتقاد، الذي لا سند له عند ذلك الفاضل المنتقد سوى ما تخيله من الاستبعاد. لا مسلك له في سبيل السداد: أما أولا: فإن المنتقد لم يزد على الميل للنفي من غير جزم والناقل لذلك قد أثبته جازما به فله بذلك مزيد علم، فكان إثباته مقدما لا محالة على ميل المنتقد للنفي.
وأما ثانيًا فقوله: وليس للأسد من خصيصة ... إلخ هو أيضًا نفي بمجرد التَّوهُّم والتخيل، فإن الأسد ذكر أهل هذا الفن له خصائص جمة، منها أنه لا يتعرض للمرأة الحائض مع أن الحيض هو أمر باطني في المرأة، وعدم تعرضه للمتصفة به لا يكون إلا بخصيصة توجب للأسد إدراك ذلك كتمييز المتصفة به برائحة أو نحوها، وإذا جورنا هذا بالنسبة للأسد في حق الحائض لزم أن نجوز ذلك في حقه أيضًا في غيرها كالماء الذي ولغه كلب، على أن مثل هذا موجود حتى في الكلب الذي هو الغاية في الخساسة، فقد جاء فيه أنه لا يلغ في دم مسلم كما في "الشفا", ومن البديهي أن تفرقة الكلب بين دم المسلم وغيره لا بد لها من خصيصة تؤدي الكلب إليها، وإذا جاز اتصاف الكلب بمثل هذه الخصيصة فلأن يجور في أعظم السباع بالأحرى.
وأما ثالثًا: فإن من جملة ما وجه به أهل العلم عدم دخول ملائكة الرحمة لبيت فيه كلب قبح رائحته، انتهى.
ولا مانع من أن توجد بقية هذه الرائحة الشديدة القبح في الماء الذي ورده وولغ فيه، وكفى فيها دليلا للأسد الذي يعافه على كونه ورد ذلك الماء قبله حتى يتجنبه.