"الأخ الفاضل الناسك المرابط الفقيه. الذى يحفظه الله ويقيه. وزير الحضرة العالية وحاجبها. وقهرمانها الأكبر وكاتبها، أبو عمران سيدى موسى بن أحمد، سلام عليك ورحمة الله وبركاته بوجود مولانا نصره الله، وأدام عزه وعلاه.
وبعد: فقد بلغنا كتابك الأعز المتضمن لأمر مولانا المنصور بالله بتصفح الكتاب الموضوع في شأن المعادن وما يناسبها، وقد تصفحت الكتاب المذكور من أوله لأخره فلا شك أنه من الذخائر والنفائس الملوكلية لا ينبغى أن لا تخلو منها الخزائن السلطانية التي تعدها عظماء السلاطين، لا سيما العلماء منهم والأساطين، لأنها لابد أن يوجد فيها ما ينتفع به في الجملة، ولكن كنت أظن أنه قد بين فيه ما يتوقف عليه الأمر من بيان كيفية استخلاص المعادن من مقارها والذي لابد منه في ذلك من الآلات والعقاقير والتناكير التي تسيل القاسى منها وما يخرج متعاصيا عن السبك والذوبان، فإنها كثيرا ما تخرج كذلك فيظن أنها مجرد تراب فيزهد فيها كما ذكر ذلك من جربه، مع أنها إنما تحتاج إلى تنكار أو عقار مخصوص فتجيب إلى ما يراد منها من الانسباك والانتفاع بها في الأعمال الضروريات على السبيل الأسهل دون مشقة كثيرة، ولا كبير عمل، هذا هو المطلوب الأهم.
وأما كون الحديد أو النحاس مثلا تكون منه سبائك وشبابك وأوانى كذا وثمنه كذا ويوجد في البلاد الفلانية كثيرا والخارج المستفاد المحصل منه في كل عام كذا ونحو ذلك من هذه الأخبار فلا فائدة فيه ولا كبير جدوى، وهذا هو القدر الذى عليه مدار هذا الكتاب، على أنه لو ذكر ما هو الأهم الذى أشرنا إليه فإنه لابد من حضور شخص عارف قد باشر تلك الأمور بيده، فتؤخذ منه الكيفية كفاحا عيانا، وأما العلم المجرد عن العمل فإنه لا يفيد قلامة ظفر كما قال الإمام ابن رشد الحفيد رحمه الله:
العلم في الرأس وفى العينين ... لكن تبقى صنعة اليدين