وقد كان المرابطون الذين اغتصب هو وأتباعه ملكهم على طريق السلف في اعتقادهم، وكانوا من متانة الدين بالمكان المكين، ومن دوام العدل ما أكسبهم مزيد التمكين، إلا أنهم كانوا على سذاجة بداوة لم تفارقهم.
ومن رشحاتها أن الإمام أبا حامد الغزالي لما صنف في أيامهم كتابه "إحياء علوم الدين" ووصلت نسخة إلى الأندلس وإلى المغرب الأقصى فرآها علماؤه على طرز جديد لم يعهد، أنتجته مهارة أبي حامد في العلوم التي من جملتها علوم الفلسفة، أنكروها وبثوا إنكارها في قلوب أمرائهم المرابطين حتى اتفقوا معهم على التقاط نسخة وجمعها وإحراقها، ونفذ الأمر بذلك بقرطبة من الأندلس، فوصل خبر ذلك إلى الإمام أبي حامد وكان ابن تومرت وقتئذ يتعلم عنده في مدرسته ببغداد فحينئذ رفع أبو حامد يده إلى السماء ودعا بتمزيق ملك المرابطين كما مزقوه، فعلم ابن تومرت أن دعوة أبي حامد في ذلك دعوة مظلوم لا ترد فقال له: يا إمام، ادع الله أن يجعل ذلك على يدي، سأل ذلك منه مرتين فأجابه الغزالي في الثانية بقوله: اخرج يا شيطان فسيجعل الله ذلك على يدك فخرج قاصدا لذلك في زي ناسك متقشف ينشر العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلى أن تم له بذلك الناموس الأمر مع ما سبق في علم الله الأزلي من قضاء ابن تومرت أول أمراء الموحدين على دولة المرابطين، مع ما وصفنا من متانة دينهم ومزيد عدلهم وكون أيامهم كانت أيام خصب وفتح بقطع شافة ملكهم، ومن توغل الموحدين في سفك دماء المسلمين بدون توقف هذه الوقعة التي حكاها ابن غازي التي أوقعوها على غدر وغفلة بعمار السوق القديم من أهل مكناسة الزيتون، فإن قال قائل إن ما جزمتم به من حضور ابن تومرت حين دعاء الغزالي على المرابطين بتمزيق الملك يخالفه توقف صاحب الاستقصا في ذلك حيث عبر بقوله يقال إنه كان حاضرًا ... إلخ، قلنا: إن صاحب الاستقصا حيث عدم في الجزم المناط. تحرى