كبيرة من النشم الأسود المسمى بالتغصاص بإشمام الصادين زايين، وربما يكتبه المتفاصحون، التقصاص -بقاف وصادين- فبينما الناس قد انبسطوا لتدبير أشغالهم ومعايشهم إذ فاجأتهم الخيل وأحاطت بهم فلجأوا إلى تلك النشمة وظنوا أن النجاة فيها، فتعلق بها منهم خلق كثير، وضم الموحدون الحطب لتلك الشجرة وأضرموا النيران حولها، فسقط كل من كان فيها واحترقوا عن آخرهم، واحترقت النشمة بقيت منها بقية مدة من الزمان، وكانت عند أهل الأوطان من جملة مواعظ تلك الفتنة (١)، انتهى. من خطه.
قلت: ومما يرجع للخبر الأخير ما رأيته في كتاب "أخبار المهدي ابن تومرت" لعصريه مؤرخ دولته أبي بكر الصنهاجي المدعو البيدق صحيفة ٦٥: أنه لما خرج المعصوم من فاس نزل بمغيلة عند يوسف بن محمد وعبد الرحمن بن جعفر ثم منها نحو مكناسة، فلما أشرفوا على الكدية البيضاء نظر إلى الكدية فإذا بها مملوة رجالا ونساء تحت شجرة لوز، قال فدخل المعصوم فيهم ميمنة وميسرة وبددناهم يمينا وشمالا، ثم سار إلى السوق القديم ونزلنا به بمسجد أبي تميم عند الحسن بن عشرة، انتهى. فلينظر مع ما لابن غازي.
أما الموحدون فهم دولة بني عبد المؤمن من كومة القائمين بمملكة المغرب بعد دولة المرابطين، سماهم بذلك أول قائم بدعوتهم، وهو المهدي بن تومرت لزعمه أن كل من لا يجري على مقتضى العقيدة التي جمعها هو بلسان البربر المبنية على اعتماد طريق الخلف من تأويل المتشابه ومنافرة طريق السلف من إقرار نصوص المتشابه كما جاءت، فهو كافر مجسم، وأن التوحيد منحصر في أصحابه الذين تعلموا عقيدته، وبهذا السبب أباح لأصحابه قتل من عداهم قتال كفر، وسوغ لهم سباياهم وغنائمهم وسهل على نفسه وعلى أصحابه بذلك سفك دم المسلمين من غير توقف، وارتكب بذلك داهية عمياء.