الحفظ ترمقها، وكان خروجها من مكة المشرفة زادها الله شرفا ورفعة ضحوة يوم الجمعة السابع عشر من ذى الحجة والمبيت بوادى فاطمة، ومن الغد ارتحل الركب ووجهته المدينة المنورة على الطريق التي جاء عليها دارًا دارًا إلى بدر ومنه أخذ طريق الصفراء.
فكان المبيت بالموضع المسمى بالجديدة، فقبور الشهداء، فبير على، فوادى العقيق، فمهد الفضائل المشهورة ومقعد ألوية الدين المنشورة، مدينة المظهر الأعلى، والبرزخ الأسنى، مشرق الأنوار، ومعدن الأسرار، من له الفتح والختام، الحائز للمقامات العلية بالتمام، رسول رب العالمين، وسيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تسليما كثيرا وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكان مقامها بالمدينة ثلاثة أيام بدار مفتى الشافعية بها أبي الفخرزين العابدين المنوفى، وبعد بلوغها الوطر من تلك البقاع الطاهرة عجلت الأوبة لدار مملكتها والكل لحسن الصنيع شاكر، ولها في كل حين ذاكر.
بعض ما قيل فيها من الأمداح: من ذلك قول أبي عبد الله محمد بن على الحسينى الشافعي الطبرى إمام المقام الخليلى:
غنى على عود السعود هزارى ... وشدا على الأوتار بالأوطار
والأنس طاب لنا بأوقات الهنا ... بسلامة الحجاج والزوار
لا سيما بسلامة الست التي ... حظيت ببيت الله والأستار
فلها المنى بوصال من قد جاورت ... والأكرمون يرون حق الجار
فاحت بها أرجاء مكة رغبة ... ومحبة من سائر الأدوار
وهي الحقيقة بالجلالة في الورى ... فجلالة الأضياف ليس بعار