منها صغار الولدان ومن له أدنى مسكة من الفقه، من ذلك أن رجلا طلب منه الإذن في إقامة بينة على بغلة له وجدها بيد الغير فقام فيها بالاستحقاق، فأمر أعوانه بجعل البغلة في محل خاص ويغلق عليها بحيث لا يراها الشهود لئلا يستند بعضهم على بعض في وصفها ونعتها، والحال أن عوام الأعوان فضلا عن الوكلاء يعلمون أن شهادة الاستحقاق لا تكون إلا على عين الشيء المستحق.
ومنها أنَّه ادعى لديه رجل على أخيه بأنه تقاعد له على حقوق انجرت له من ميراث أبيه، فطلب وكيل المدعى عليه من المدعى إثبات موت أبيه وعدة ورثته فحكم بإلغاء طلبه وعدم قبوله شرعا، وألزمه الجواب من غير مهلة أو عزل نفسه عن الدعوى.
ومنها أن ورثة هالك قاموا بغبن في دار اشتراها موروثهم استوفت صورتها شروط القيام بالغين، وأدلوا بفتوى شيخنا أبي العباس ابن المأمون البلغيثى أطال الله بقاءه تؤيد مدعاهم، ووافق على فتواه عالمان جليلان، فلما أدلوا لديه بالفتاوى المذكورة حكم بإلغاء أولى الفتاوى التي هي الأصل معللا لإلغائها بأن صاحبها سافر للاتجار بالشام، وقبول الفتويين المعضدتين لها، وقد هجاه شيخنا المذكور بعدة قطع وقصائد من ذلك قوله:
وذى سفه قد خلا قلبه ... وقلبه من كل شئ على
تسمى خليلا بدون علوم ... وليس خليلا ولكن خلى
ثم رشح لقضاء الحضرة المكناسية وزرهون وما انضم لذلك بعد وفاة قاضيها أبي العباس ابن سودة المرى المترجم فيما سلف، وذلك عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، ولما حل بمكناس، لبست نحوياته حلة التناس، حتَّى حفظ عنه