أن يقوم عنها بالموت أو بالعزل ليجلس غيره، ولا تدوم لأحد ولا ينام عنها من أقيم غالبا إلا بمرارة وعنف، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الولاية: نعمت المرضعة وبئست الفاطمة.
ثم من الناس من لم يشعر بهذا المعنى ولم ينتبه له، فهو يسعى إليها عجبا بأوائل زخرفها وانخداعا بظهور زينتها، ومن الناس من علم ذلك وتنبه له، ثم من هؤلاء من نفعه الله بعلمه فأوجب له أفعالا محمودة إما قبل ولوجها بالزهد فيها والفرار منها علما بغايتها دينا وتقوى، أو حزما في الدنيا بعد الولوج فيها بالتعفف والإحسان والعدل والرفق ومجانبة الجور والبغى والخرق، إما دينا أيضًا وحذرا من المطالبة في الآخرة، وإما خرقا دنيويا وحذرا من اختلالها واضمحلالها، إلى أن قال: وقال أبو عمر بن عبد البر: تكلم معاوية رضي الله عنه يوما، فقال: أبو بكر هرب منها وهربت منه، وأما عمر فأقبلت إليه وهرب منها، وأما عثمان فأصاب منها وأصابت منه، وأما أنا فداستنى ودستها، قال أبو عمر: وأما على فأصابت منه ولم يصب منها.
ثم قال في المحاضرات بعد كلام طويل: وكل من تعرض لها من السلف فإما انتهاضا لنصح المسلمين من نفسه بإقامة الحق لئلا يضيع، وإما نزغة بشرية حركها لسبب من الأسباب، أما على هذا الثانى فلا يقتدي بهم، وأما على الأول فيقتدي به من بلغ مقامه في التمكين القوة والنزاهة، وفى مثل زمنه الصالح الَّذي لم يزل به الدين طريا، والحق جليا، والأعوان عليها قائمون، وهيهات ذلك في آخر الزمان الَّذي غلب فيه حب الدنيا واستولى على الناس سلطان الهوى، فلا ترى إلا حريصا على الجمع والمنع، ولا ترى إلا نفاقا ومداهنة، فالمرء الكيس لا يعدل لنفسه بالسلامة شيئًا، ومن له بوجودها إن لم يكن له من المولى لطف ظاهر هـ المراد من كلام الشيخ اليوسى باختصار.