فكان أخذ الزاوية يوم الاثنين ثامن المحرم، ومن لطف الله على أهل الزاوية فيما سبق لهم في علمه ببركة جدهم محبتهم في أهل البيت أن جعل خلاء زاويتهم على يد مولاى الرشيد الَّذي حلم عليهم الحلم المعهود لأمثاله من صرحاء أهل البيت، فما أسال من دمائهم ولو قطرة، ولا كشف لهم عن عورة، وربما مد بعض الظلمة يده فانتقم منه أشد الانتقام.
ولا يقال إن تخريب المترجم لهذه الزاوية وإجلاء أهلها منها وترحيل رؤسائهم لتلمسان وتغريبهم هناك بدليل العيان غير مناسب لما كان فيهم من علم ودين، وزائد ود، لأبناء السبطين، لأنه يقال إن ذلك ضرورى عادى في جمع الكلمة، إذ ما دام من كان بيده في مأوى سلطانه إلا ومواد الثورة لا تنحسم وعين التشوف لا تنسد، ولو من رعاع الاتباع والمشاهدة أعظم برهان، ولأمر ما قال تعالى عن بلقيس: {... إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ... (٣٤)} [النمل: ٣٤].
فحيث كان هذا المقتضى الأكيد في سياسة الأمة وجمع كلمتها وانضمام شمل ألفتها على من يحمى بيضتها قائما، فالعلم ومعطوفاته التي توجد حشو من يراد إقامته في ذلك على المحجة البيضاء لا تعد موانع، من تنفيذ ذلك المقتضى، لأن درء المفسدة أهم، ولإمكان الجمع بظهور نتائج العلم ومعطوفاته من صاحبها في أماكن أخرى لا تتطرق فيها مفسدة، وكذلك كان فإن جميع من كان من تلك العائلة له علم ودين قد استقر بحاضرة المغرب فاس، ونصبوا بها وبأحوازها للمناصب اللائقة بعلمهم ودينهم، كما حفظ ذلك كله التاريخ، وفى كتاب البدور الضاوية من ذلك ما فيه مقنع فحصلت لهم بذلك الكرامة، مع الأمن والسلامة، ولله في خلقه شئون.