ولما اتصل بأهل مراكش وفاة المنصور وكتب إليهم أهل فاس بمبايعتهم للمترجم امتنعوا وبايعوا أخاه أبا فارس وذلك يوم الجمعة أواخر ربيع الأول من السنة المذكورة.
ثم لما تمت البيعة الشرعية للمترجم بفاس بارحها ووجهته البلاد الحوزية لعلمه بما صدر من أهلها من شق عصا الطاعة، وإباية الدخول فيما دخلت فيه الجماعة.
ولما علم أبو فارس بذلك جهز لقتاله جيشا عرمرمًا جرارًا وألقى زمام رياسته لأخيه المأمون هكذا قال بعضهم، والذي في نزهة الحادى أن أبا فارس أمر على الجيش ولده عبد المالك مع الباشا جؤذر، ثم إن بعض أهل الرأى من حاشيته أشار عليه بتسريح أخيه الشيخ وإسناد قيادة الجيوش إليه لمحبة الرعية فيه ولميلها له فلا يقاومونه ولا يقابلونه إلا بالسمع والطاعة، لأنه كان الخليفة عندهم.
فاستحسن الإشارة، وسرح الشيخ وأخذ عليه العهود والمواثيق على إبداء النصح وعدم شق العصا، ثم أوعز أبو فارس لخاصته من رؤساء الجيوش بالقبض على الشيخ إذا وقعت الكرة على المترجم، وانهزمت جيوشه، والشيخ لا يعلم بما دس له، فخرج يزحف في جيوشه إلى أن التقى الجمعان بوادى أم الربيع بالموضع المعروف بحواتة، فكان النصر لجيوش أبي فارس وانهزم المترجم بسبب ما لحقه وجنوده من الحنو والحنان رعيا لسالف عهده ووثوق رابطة إخائه وإخلاص وداده القديم، ورجع القهقرى إلى فاس وتحصن بها فاقتفى أثره الشيخ إذ لم يقدر أحد من أصحاب أبي فارس له على شيء.
ولما اتصل الخبر بالمترجم راود أهل فاس على القيام معه في الحصار فأبوا وشقوا عصا الطاعة في وجهه، وأعلنوا بنصر الشيخ والبيعة له، فخرج المترجم في جيشه وأثقاله إلى تلمسان فأقام بها مدة، وبعث لترك الجزائر يستنصر بهم على