وحفظ عليه ما أولاه، بمكناسة الزيتون صدر صدورها، وواسطة شذورها، ووالده رحمه الله قطب مدارها، ومقام حجها واعتمارها فقرأ في صباه القرآن، وتغذى بحفظه بأعذب لبان، ثم قرأ على والده جملة من المتون، في غير واحد من الفنون، ثم أخذ عن جماعة من الأعيان من كابر مشايخ هذا الشان، واعتكف على طلب العلم، فنبغ فيه بالحفظ والفهم، واستمر على نعته المذكور إلى أن صار يتيمة عقد أولى الصدور. هـ.
وبالجملة فقد تربى في حجر العفاف والصيانة والسعادة، وتغذى بلبان النباهة والسيادة بين أولى المجادة، انتقاه مولانا الجد السلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام لتأديب أولاده الكرام، الجلة الفخام، فكان لهم خير مرشد وإمام.
ولما قدم نجله السلطان من بعده سيدى محمد من سجلماسة مراهقا أضافه إلى تربيته ونظره، فكان له خدنا موافقا، وخصه بكفالته لما تيقنه من كفاءته، فلم يأل جهده في تأديبه وتربيته وتهذيبه حتَّى جمع عليه القرآن العظيم حفظا ورسما، وأدرك غاية الكمال مسمى واسما.
وقرأ مقدمات العلوم وأمهاتها وأحاط بصورة النجابة من جميع جهاتها، فلازمه بعد ذلك حتَّى تجلت شمس الخلافة عن والده في مشرقه، ولاح بدر السعود على مفرقه، فعند ذلك استقل لديه بالحجابة، واختص بقصب السبق بين أولى النجابة وذلك عام خمسة وخمسين ومائتين وألف.
ولما عقد الخليفة سيدى محمد على جبينه للإمامة العظمى فاتح سنة ست وسبعين بتقدم السين على الموحدة ومائتين وألف استوزر شيخه المترجم، فكان قطب دولته ومرجع آرائه وإصداراته إلى محاسن جليلة، وأخلاق كاملة جميلة.
وقد ترجمه في الجيش وأطال. فيما له من أوصاف الكمال، والامتياز بين سراة الرجال، وما كان من الجاه والوجاهة، والمكانة القعساء في الدهاء والنباهة.