جاهلية كما ورد عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه فيما أخرجه مسلم والنسائى عن أبى هريرة.
وأنس المترجم من نفسه الكفاءة للقيام بأعباء الخلافة وحسم مادة الشقاق وتنازع المسلمين بقمع البغاة المعتدين كما آنسه الناس فيه لما تقدم ومن وصفهم له مع ما جمعه الله فيه من شرف المحتد وأصالة الرأى وكرم النفس زيادة على ما سبق لسلفه، من الجلوس على عرش الملك، كما أحكمه التاريخ من أن جده الأعلى الأخص بفرعه النفس الزكية، كان ممن تربع ذلك العرش بالاستحقاق، ثم عرضت الخلافة على جده الأوسط المولى على الشريف من أهل الحل والعقد فامتنع من قبولها، وبهذه الصفة الشرعية انتصب المترجم لإحياء ذلك الموات، وطالب ملك أبيه لا يرمى بالافتيات، ولا سيما بعد تحققه وتحقق أهل بلاده السابقين لمبايعته أنه الكفء الفذ لذلك المنصب السامى، غير أنه حيث كان الموجب الأولى لانتصابه هو ظهور الاختلال وانتشار الغاصبين للمنصب في أركان الإِيالة وزواياها، لم يجد بدا من تقديم الأهم الذى هو جمع الكلمة والسعى حول محو التشويش والإفساد، فلذلك انصرفت أيام ولايته وإن طالت كلها في تمهيد هذا المقصد فأنفق فيه مبلغ جهده، وإن عاقته الأقدار عن الوصول فيه لحده، ولعله لذلك لما رأى معززه في مقصده أخوه المولى الرشيد أن أخاه لم يبلغ من هذا المقصد النفيس الذى انتصب ونصب له ما يريد ويراد منه تصدى أواخر دولة أخيه في أطراف البلاد لجمع الكلمة، فكان من عادته فتقدم تمهيده في ولاية أخيه.
والمولى الرشيد وإن قصرت مدته لم ينتقل لدار الكرامة حتى جمع الكلمة في جميع أقطار المغرب، فكان أخوه المترجم هو المؤسس والمقتحم لتسوية عقبات الانتظام، وصنوه الرشيد هو الذى أكمل الله على يده للأمة أمر تسوية مصالح دينها ودنياها بعد أن فاز أولهما وهو المترجم برتبة الشهادة حيث قتل في حالة الدفاع عن الإمامة المنعقدة له.