والتنزيه زهرا جنيا، وتقف دون حوزتهم وقوف الذائد، وتعلم بما خلعنا عليهم بزته، وأقعدناهم منصته، كما يعلم بالخصب الرائد، وتسدل عليهم من أردية الإجلال والافتخار جلبابا، وتضرب عليهم من مهابة العلم والنسك سرداقا وقبابا، وتفتح لهم من الإقبال والتأييد والإمداد حججا وأبوابا، مبرة يثبت دوامها، ويؤمن انقراضها وانصرامها، وتمضى بعون الله عزائمها واهتمامها، وتستقر أوامرها وأحكامها، حسبما استمرت بذلك عوائدهم الجميلة، وسيرتهم المحمودة الجميلة، وزاويتهم الجديرة بالتعظيم والإيثار، والمشهورة بالاعتصام لمن آوى إليها والانتصار، محفوظة الأنحاء، ملحوظة الأرجاء، مؤمن من نزيلها، مكلوء رعيلها، لا تطرق أيدى الطراقين جنابها، ولا ينال عدوانهم أبوابها ولا أعتابها، لأن المدينة الإدريسية حاطها الله وإن فاخرت المدن بالأئمة والعلماء والصلحاء سكانها، حين قيل فيها يكاد العلم ينبع من حيطانها، فإن نسبة تلك الزاوية المباركة منها وعندها كنسبة الإنسان من العين، دون خلاف في ذلك بين اثنين.
ولا ريب ولا مين مع ما لها في جانبنا الكريم من الود الصميم والإخلاص اللذان أديا إلى غاية مراتب الحظوة والاختصاص، وصيرها دارنا وعرارنا أجزل الله لديها مورد النعمة، وأبقى عليها لبوس الإيثار والحرمة، وأدام عمارتها بالأسرار المودعة في خلفها الصالح والمكارم الجمة، وإن كانت دعوة الشيخ سيدى عبد الرحمن المجذوب نفع الله به كفيلة بذلك ما دامت الأمة، والمسند إليه أمرها والنظر فيها وفى مصالحها ومنافعها، والراصد لسموت ارتفاعها وأوقافها ورباعها وأحزابها، والمولى الإمامة والتدريس بها، والمتكلم في المؤذنين بمنارها، والمحترمين بروض معطارها، هو سيدى أبو مدين المذكور، وإليه المرجع في جميع الأمور، لأن رحالها بقطب أسراره تدور، ومنهلها العذب السليس من عنصره يفور.