ثم بعث لهم الملك بأكداش ليركبوها ويذهبوا إليه للمدينة التي هو بها، فخرجوا من مدريد عاشر ربيع الأول سنة ١١٨٠ ومروا على الطريق الجارى العمل بتمهيدها قرب قرية (ورامة)، وكان أسارى المسلمين يعملون هناك في شق الجبال وهد الشواهق بالبارود، وكانوا يصابون في ذلك ولم يتيسر للسفارة لقاءهم لأنها كانت تسرى ليلا فلم تشعر إلا وقد جاوزت محل قرارهم الذى واعدتهم باللقاء عنده، فكتبت لهم إنها ستلاقيهم عند الأوبة.
ولما أشرفوا على (لا كرنخة) مقر الملك ومصيفه خرج لاستقبالهم أعيان الدولة ووزراؤها مرحبين مهنئين بالنيابة عن ملكهم، وقدموا لهم أكداشا ركبوها، وساروا في جمع عظيم إلى محل النزول، ومن الغد استدعاهم الوزير لمحله فذهبوا إليه، وجرى بينهم الحديث في علائق الدولتين ومحبة الملك للسلطان وأنه مسرور من إيصاء السلطان على الإسبان، الواردين على المراسى المغربية بالإحسان، ثم أخبرهم بأن لقاء الملك يكون من الغد.
وفى الغد أتاهم الوزير بكدش يركبه الملك، وأخبرهم أنه يريد رؤيتهم،
فركبوا إليه والتقى بهم عند الباب خلق كثير من رجال الحكومة وسفراء سائر الدول وغيرهم من الخاصة والعامة مسلمين بعكس الرءوس ونزع غطاءها، ولما دخلوا على الملك وجدوه قائما وعن يمينه الراهب الملازم له وعن يساره أربعة من الوزراء، فلما دنوا نزع ما على رأسه وطأطأه شيئا ما، وبعد السلام هناهم بالسلامة وسألهم عن تعب الطريق وعما لقوا في المدن التي مروا عليها، فأجابه الغزال بما يناسب، وأنهم لقوا في المدن المبرة والإكرام، وأن الكتب بذلك سارت للسلطان، وتحققت عنده محبتكم ثم أخذ يسألهم عن السلطان، وكما ذكره نزع ما على رأسه فأجابه إنه بخير، وإنك عنده بمنزلة لم تكن لغيرك من الملوك المصالحين مراعاة لما صدر منكم في قضية الأسارى.