الأماكن المخصصة لسكنى الرهبان، فاقترح عليهم رفعهما لأعلى سور المسجد تكرمة لما فيهما، فأجابوه لذلك بعد أن راجوا وماجوا واعتذروا، ثم ساروا منها يخترقون البلاد إلى عاصمة مدريد، ومنذ خرجوا من قرطبة ورسل الملك تتردد عليهم بالترحيب والسلام من قبله، ثم يرجعون إليه.
ولما دنوا من مدريد وكان هو في بعض ضواحيها أرسل إليهم أحد أعيان رجاله مصاحبا لكتابه مضمنه التهنئة بالقدوم وأمر الفسيان المكلف بمرافقتهم بالذهاب بهم إلى مدريد، كما أمر بالاستعداد لدخولهم إليها، وأن يكون اليوم مشهودا، وأن يذهب بهم إلى أماكن خاصة ليروها، وقد كانت السفارة تقابل في المدن التي مرت عليها في طريقها لمدريد بالحفاوة العظيمة ويحتشد الناس لرؤيتها من أطراف البلاد وتحيا بالمدافع والموسيقى والسواريخ، وتذهب في خفارة الجنود المصلتة السيوف إلى الدور المعدة لنزولها، وتقام لها حفلات الاقتبال والرقص والغناء لأعيان المدينة، وتدعى للحفلات والمشاهد.
ولما وصوا لمدريد نزلوا فيها بالقصر المخصص لنزولهم، وهو قصر بديع بناه فيليب الرابع، ولم تزل أعيان الدولة الاسبانية تتوارد إليهم بقصد السلام والترحيب حتى إنهم لم يجدوا استراحة مقدار لحظة، ثم ورد خبر موت أم الملك فأعلن الحداد عليها في البلاط الملوكى وتأخرت بسبب ذلك مقابلة الملك حسبما أفصح بذلك وزيره في رسائله للسفارة، وقد أقاموا بمدريد ما يزيد على الشهر بأيام قلائل، زاروا في أثنائه بعض مشاهدها ومنتزهاتها وقصورها.
وكان الجمهور الإسباني يجتمع كل عشية حول القصر الذى نزلوا فيه رغبة في مشاهدتهم فكانوا يشرفون عليهم مشيرين إليهم بالتحية فيضجون بالدعاء للسلطان المترجم ويتفرقون مسرورين، ثم يجتمع مثل ذلك في الغد، وهكذا وفى مدريد تقدمت إليهم شكوى من أربع وعشرين من أسارى المسلمين فوجهت لهم بالمستشفى صلة ووعدوا خيرا.