شوال عام ثمانية وسبعين ومائة ألف، وبنى له الأسوار العجيبة، واتخذ به البساتين، وشحنه بالمدافع والبنب والكور، فجاء من أعظم المدن وأشرف الثغور، واتخذ به المساجد والصوامع والأسواق والدور والحمامات ورغب في سكنى هذا الثغر المبارك الناس، وقصده التجار وغيرهم من جميع الأجناس.
وكان سبب إنشائه لهذا الثغر أن المراسى المغربية متصلة بالأودية، وفى غير إبان الشتاء يقل الماء ويعلو الرمل بأفواه المراسى، فيمنع من اجتياز القراصين بها ويتعذر السفر، ففكر فيما يتأتى به السفر للمراكب القرصانية سائر أيام السنة، فبنى ثغر الصويرة، واعتنى به لسلامة مرساه من الآفة المذكورة.
وقيل: إن السبب هو أن حصن أكادير كانت تتداوله الثوار أهل سوس مثل الطالب صالح وغيره، ويسرحون وسق السلع منه افتياتا ويستبدون بأرباحها، فرأى أن حسم تلك المادة لا يتأتى إلا بإحداث مرسى آخر أقرب إلى تلك الناحية، وأدخل في وسط المملكة من أكادير حتى تتعطل على أولئك الثوار منفعته فلا يتشوق أحد إليه.
ولما تم أمرها أمر أهل فاس أن يعمروها مناوبة تأتى ثلاثمائة رجل من أصحاب الحرف ويقيمون بها سنة كاملة، ثم تذهب وتأتى ثلاثمائة أخرى وهكذا، ونقل إليها العلماء لنشر العلم، ورتب لهم ما يكفيهم. قال الزيانى في شرح ألفية السلوك: وجعل -أى المترجم- قضاء فاس للفقهاء الذين يتوجهون للصويرة كل من درس بها ستة أشهر يقضى بفاس ستة أشهر، وجعل كذلك للحكام كل متوجه للصويرة حاكما ستة أشهر يحكم بفاس ستة أشهر إلى أن مات.
وأنفق في سبيل صيانة ذلك الثغر وتحصينه بالمعدات والمقومات الحربية برية وبحرية أموالا طائلة، وجلب إليها تجار النصارى بقصد التجارة بها وأسقط عنهم