للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حية ترزق إلى الآن، واقتفى أثره من بعده في ذلك نجله الإمام المقدس مولانا الحسن برد الله ثراه، وكذلك حفيده إمام عصرنا الكوكب الدرى الأصعد، أبد الله علاه ونصره، وأبهج بالعلوم والمعارف عصره، أمين.

وكان المترجم من أعلم أهل عصره بالسياسة، وأمثل البررة إخوته طموحا للمعالى، حريصا على نفع العباد، بصيرا بعواقب الأمور، ذا تأن وتؤدة ووقار كم رشحه والده للمهمات، وكشف به من مدلهمات، استخلفه بفاس على حداثة سنة عام ١٢٥٥، واستوزر له السيد الطيب بو عشرين إذ كان مؤدبا له، فأحسن السيرة وقام بمأموريته أحسن قيام، فازدادت مكانته عند أبيه وفوض إليه، وألقى زمام المملكة بين يديه، لم يستثن عليه شيئا منها فاتخذ العساكر وجند الجنود، وأمر ونهى وولى وعزل وقدم وأخر.

وقفت على كثير من ظهائره التي أصدرها في خلافته للقائد الجيلانى ابن بوعزة والقائد فرجى وغيرهما، وكان يختمها من أسفل بختم نقش عليه "محمد ابن أمير المؤمنين وفقه الله".

ولما وجهه والده لناحية وجدة وجرت على جيشه الهزيمة الشهيرة بوادى ايسلى في شعبان سنة ١٢٦٠ ورجع لفاس حجب عنه وجه رضاه، واستشار الوزير الصدر ابن إدريس في شأنه فأشار عليه بعزله من الخلافة وتولية أحد إخوته، فلم يعمل بإشارته، ثم استشار عامل السراغنة السيد أحمد بن القائد في شأنه أيضا فأشار عليه بإقراره على الخلافة، وقال له: إن ما وقع من انكسار الجيش لا عهدة عليه فيه إذ ذاك كان من تهاون كبراء الجيش وإخلادهم إلى الراحة وطمع الجنود في خزينة مال المؤنة، وإذا عزلته فربما يظن الأجانب أن عزله كان لأجل ما ضاع من المال والأخبية والآلات.

فأعمل رأيه وأقره على الخلافة، وعزل الفقيه بو عشرين عن وزارته ونكبه، وعين لوزارته الفقيه السيد محمد غريط، ومن ثم أخذت حالته تتدرج لديه في

<<  <  ج: ص:  >  >>