عليهم الأحكام يكون ذلك سبب الفتن، فكتب لهم ذلك المكلف وهو محمد الخطيب التطوانى، ووجه لهم بعض السادات ينهاهم ويأمرهم بالكف عن العتو والفساد، فأجابوه بأقبح ما يسمع وقالوا له: إنه على نفس النصارى وعادوا لعتوهم وفسادهم، ووجه لهم عاملهم بعد ذلك من طنجة ينهاهم فما رفعوا له رأسا.
ثم رفعت القضية إلى سيدى محمد، فلما اطلع على مكاتب النائب الخطيب ببيان الواقع وطلب الإصبان قتل أناس من أهل الآنجرة بباب سبتة، وإعطاء طرف من بلادهم توسعة، استنكر ذلك وعرضه على غيره فكبر ذلك على الجميع لما فيه من إهانة المسلمين المستلزمة لإهانة الدين.
فحينئذ استنفر من الرعية للذب عن بيضة الإسلام من سارع لإجابته فيه، ووجه القائد المأمون الزرارى إلى تطوان في نحو مائة فارس وخمسمائة رامٍ فرابطوا خارج تطوان من ناحية سبتة، ولزم هو عاصمة ملكه لتدبير النجدة وإرسال الأموال والعدة والعدد، ولئلا يختل ضبط الداخلية أو يحدث فيها منتهز فرصة تشويشا فيكون عونا باطنيا للعدو، فبرز الإصبان في حدود سبتة في جيش محكم النظام يحتوى على عشرين ألف مقاتل وذلك في ثالث ربيع الأول عام ١٢٧٦ سلك بذلك الجيش مسلك إظهار القوة مع المطاولة وعدم المبادرة للمناجزة وقصد به جهة تطوان يتقدم مرة ويتأخر أخرى دام على ذلك مدة أربعة أشهر، وقبائل الناحية من الانجرة تقابله وتعترضه في المضايق وتناوشه القتال.
وفى أثناء ذلك جهز المترجم طائفة أخرى من الجيش بها خمسة آلاف من المتطوعة أكثرهم من عرب سفيان وبنى مالك والحياينة وخمسمائة من الودايا والعبيد بقيادة صنوه عم والدتنا المولى العباس، ونزل بضواحى تطوان وقبائل آنجرة ومن ساعدهم من أهل الجبال الهبطية في مناوشة مستمرة مع جيوش الإصبان التي تكاثرت بالتدريج وصارت تعد بخمسين ألفا.