وقد وقفت في كناشة عالم البيت السودى في عصره سيدى المهدى ابن سودة، على أن المترجم لما بلغه ما يقصده الإصبان من الاستيلاء على تطوان بعث لحفظه جماعة من ذوى النجدة والثبات برياسة أخيه المولى العباس، فلما كان الإصبان بجموعهم الكثيرة التي لا يفى بعدها ديوان على نحو الساعة من تطوان، تلقتهم البعثة المذكورة في ألفين ومائتى فارس فانهزم الإصبان وقتل منهم نحو خمسة آلاف، ولم يفقد المسلمون في الوقعة إلا خمسة وأربعين من رجالهم.
ثم وقع القتال ثانيا حسبما وقفت عليه بخط المولى العباس، وكان من الثامن والعشرين من جمادى الأولى، فتكبد الإصبان فيها ما استعظموه وأقلق راحتهم، وكان الفرار نتيجته، ولم يقتل من المسلمين إلا نحو الخمسة، ثم أعادوا الكرة في يوم الخميس ثالث جمادى الثانية فكان المآل عليهم أدهى وأمر ومات من المسلمين نحو الثلاثة.
ثم اتقدت نيران الحرب أيضا يوم الأحد سادس جمادى الثانية فقتل منهم نحو الثلاثة آلاف، ومات من المسلمين نحو الستة، وتمادى القتال بين الفريقين واشتدت الحرب، وأظهر المسلمون من البسالة ما أبهر أروبا وقضت منه بالعجب، حتى ذكروا في بعض مكاتبهم أنهم كانوا يظنون أنهم يلقون رجالا كالرجال الذين يعرفون، فإذا بقوم مثل الجبال لا يضجرون من الحرب ولا يهابون الموت تحملهم شجاعتهم على مصادمة المدافع والقبض على رؤسائها باليد، حتى إن رجلاً من أولاد البقال قتل أربعمائة من الإصبان كما حكى ذلك عنه من شاهد الوقعة، وكذلك استمرت الحرب متوالية والإصبان في انكسار إلى أن وقع ما سيذكر.
ثم بعث المترجم في تلك الأثناء صنوه جدنا للأم المولى أحمد في جيش من مكناس ونزل في خامس رجب في موضع يسمى فم الحبيرة -بالتصغير- وتواردت على المسلمين زرافات المتطوعة من سائر أنحاء المغرب وعواصمه وبواديه،