فما أفادت كثرتهم مع النظام الذى ظهر به الإصبان لذلك العهد، وكان أهل المغرب لا يعرفون إلا المناجزة إن أمكنت وطريقة الكر والفر.
ولما أحس جيش الإصبان القوة من نفسه، ورأى أن حالة أهل المغرب لا تتغير لا ماديا ولا أدبيا زحف على تطوان في ستين ألف مقاتل على طريق الساحل يعضدها الأسطول ويسايرها في حالة سيرها، إلى أن حل الجيش بساحة قلعة مرتيل بين تطوان والبحر بعد ما هلك من الجانبين خلق كثير.
ولما نزل الإصبان هناك واختلط الحابل بالنابل والمخلص بضده وكثر نهب القبائل بعضها بعضا وارتبكت الأمور واختل النظام، ورأى الجبليون وكانوا عمدة أعيان جيش المسلمين أن لا مطمع في حفظ مدينة تطوان من العدو، وقل زادهم، دخل السفهاء منهم عامة ضواحيها ومدوا أيديهم للسلب والنهب حتى اضطر التطوانيون للخروج إلى قائد جيش الإصبان النازل بمرتيل وتخابروا معه في الدخول للمدينة دخولا سلميا خوفا من هتك الأستار ومس الحريم، فلبى قائد الجيش طلبهم ودخل المدينة ضحوة الاثنين الثالث عشر من رجب السنة في كبار الجيش وأركان حربه ورغما عن كمال استعداده ووافر قوته لم ينل ذلك اليوم من احتلال تطوان المتصلة بحدوده إلا بعد أن تزود ممن حضر لقتاله من المسلمين على غير تعبية ولا انتظام الخسائر الفادحة في الرقاب والأموال، وبذلك صار أشد رغبة في الصلح والسلم، عكس ما كان عليه ابتداء من الرغبة في الحرب حين كان يظن الغلبة، حتى إن جيشه بمجرد إبرام الصلح كاد يطير فرحا وصار يهنئ بعضهم بعضا، وكذا للمسلمين بقبولهم الصلح، وكبر شاهد على ما ذكر من ابتهاج الإصبان بالصلح وشدة فرحهم به ما شوهد مما أظهره القائد الحربى اردنيل لدى مقابلته للمولى العباس للمفاوضة في إبرام الصلح من الخضوع والإجلال والاحترام.