ذلك هذه الحركة المباركة التي قام بها ثلة من أرباب الأقلام في بعض أرجاء المغرب فاختص كل واحد بتدوين تاريخ مدينة من مدنه -كمراكش وفاس وسلا والرباط وطنجة- وتبيان ما كان لها من عهد زاهر ومجد غابر وذكر زعماء رجالها الذين كانت لهم يد في العلم والأدب منها، وجمع ما كان من ذلك متناثرا بعد أن أدركه التلاشى وكاد يصبح مضمحلا داثرا، وهى فكرة حميدة كان سعى أربابها مشكورا وعسى أن تعم أصقاع المغرب فيقوم بتنفيذها من يأنس من نفسه اقتدارا على ولوج هذا الميدان والإجادة من نصيبه منه حتى نرى تلك التواريخ يوما وقد أحكم وضعها وأتقن ترتيبها وجمعها وأصبحت مادة فوارة لتاريخ المغرب العام.
وهذا أثر جليل من ذلك النحو قد جمع فأوعب واستدرك فأعجب وأغرب، وسيكون ولا ريب من أهم مؤلفات المغرب التاريخية وأغزرها مادة وأكثرها إفادة وجمعا، وقد اجتمعت فيه ثلاث من كن فيه كان حقيقا بالامتياز عن غيره والحظوة بالخصوصية ألا وهى، قيمة الكتاب وأهمية الموضوع واقتدار المؤلف في فنه:
أما عن المؤلف فسماحة الأستاذ النقيب مؤلف هذا الكتاب أحد حملة التاريخ عندنا الذين يقول لسان حالهم:
فجسمى في دهره ماكث ... وعقلى في أول الدهر ناء
وهو غنى بشهرته ومكانته وخزانته الزيدانية عن زيادة التعريف والتبيين.
وأما عن الموضوع فإن مكناس جمعت بين الطريف والتليد والقديم والجديد، وهى إحدى حواضر المغرب بعد سجلماسة مركز بنى مدرار وفاس كرسى الأدارسة ومن اقتفاهم ومراكش دار المرابطين ومن بعدهم. وقد مرت عليها أيام كسيت فيها نضارة الحضارة وظللها جلال الملك والإمارة وكانت فيها قلب المغرب ومأوى الوزراء والكتاب والشعراء وأرباب العلوم والصنائع والفنون.