للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ المجذوب عليه -يعنى المترجم- يوما بباب داره فقال ايت فاكنس ما تحت هذه الدابة لدابة كانت له بالاروى، فدخل أبو الرواين يخرج له ما يحمل فيه الزبل، وقد كان على الشيخ المجذوب برنس جيد فطرحه في الأرض وأخذ يحمل فيه الزبل، فما خرج أبو الرواين حتى وجده قد فعل، فقال متعجبا منه: ما رأيت مثل هذا قط! وقد غلبنى لأنه أراد أن يختبر مكانه من النظر إلى نفسه والرضا عنها، فوجده فوق ما يظن من خفض النفس وعدم المبالاة بها.

وشأن المشائخ أن يحملوا المريدين على إذلالها وما يوجب إخمادها وقضاياهم في ذلك مشهورة، لأنه كلما خمدت النفس وانخفضت قوى معناه وتنور باطنه، إذ لا حجاب له إلا رؤيتها، وقد ورد في الأحاديث الربانية عاد نفسك فليس لى في المملكة عدو غيرها، وورد أيضًا في مناجاة موسى أنه قال: كيف أجدك يا رب؟ قال له عاد نفسك وتعالَ. قال وقد أخبر الشيخ المجذوب أن ذلك البرنس الذى حمل فيه الزبل لم تزل رائحة المسك تفوح منه من ذلك الوقت، وكان عند أهله في الصندوق مع الثياب يتبركون به انتهى.

ومعلوم أن العز في مخالفة النفس والذل في طاعتها واتباع هواها ولله در القائل:

إذا شئت إتيان المحامد كلها ... ونيل الذى ترجوه من رحمت الرب

فخالف هوى النفس الخبيثة إنها ... لأعدى وأردى صفقة من هوى الحب

ولقد أجاد من قال:

إذا شئت أن تحظى وأن تبلغ المنى ... فلا تسعد النفس المطيعة للهوى

وخالف بها عن مقتضى شهواتها ... وإياك لا تحفل لمن ضل أو غوى

ودعها وما تدعو إليه فإنها ... لأمارة بالسوء من هم أو نوى

<<  <  ج: ص:  >  >>