للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ولما تغلب السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ على مكناسة ألح بالمطالبة لأخذ فاس فجاء الشيخ أبو الرواين وقال له: اشتر منى فاسا بخمسمائة دينار، فقال السلطان: ما أنزل الله بهذا من سلطان، هذا شئ لم تأت به الشريعة فقال: والله لا دخلتها هذه السنة، فبقى شهرًا والأمر لا يزداد عليه إلا تصعبا (١)، ففال الأمير أبو محمد عبد القادر لأبيه السلطان المذكور، يا أبت افعل ما قال لك الشيخ أبو الرواين، فإنه رجل مبارك من أولياء الله، وما زال به كذلك حتى أذن له في الكلام معه، فكلمه الأمير عبد القادر فقال: ادفع المال! فدفعه له، فقال: عند تمام السنة إن شاء الله يقضى الله الحاجة وأمري بأمره سبحانه، ثم إن الشيخ فرق المال من يومه ولم يمسك منه لنفسه حبة واحدة، ومن ذلك اليوم والسلطان المذكور في ظهور إلى أن تمت السنة فدخل فاسا كما قال (٢) انتهى.

قلت: قول السلطان محمد الشيخ السابق: إن الشريعة لم تأت بمثل هذه الأفعال التي كان يتظاهر بها المترجم وأمثاله، لعله يعنى من حيث كون الإقدام على أمثال ذلك لم تأذن فيه الشريعة للعموم ومدعى التخصيص عليه البيان، وإقامة البرهان، وإلا فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى على الربيع بأن تكسر ثنيتها قصاصا لها على ما فعلته بغيرها من مثل ذلك، فقال له سيدنا النضر: والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بأن كتاب الله القصاص، وإثر هذا بادر المجنى عليهم إلى العفو عن الربيع، فحينئذ قال - صلى الله عليه وسلم -: إن لله (٣) رجالا لو أقسموا على الله لأبرهم أو كما قال.


(١) في دوحة الناشر: "تعصبا".
(٢) الخبر بنصه في دوحة الناشر من الموسوعة ٢/ ٨٨٧.
(٣) في هامش المطبوع: "لفظ الصحاح إلا الترمذى: إن من عباد الله مكان لو أقسم على الله لأبره".

<<  <  ج: ص:  >  >>