ثم إن والده لما رأى ما أظهره المترجم في محل مأموريته درعة من العدل والإنصاف ومحبة أهلها له لفضله وهديه وسيرته فيهم سيرة حسنة، وعلا صيته وانتشر في الآفاق نقله منها وولاه على مراكش وما والاها، فأقام سنة العدل ونشر الأمن والطمأنينة، وسار على ما نهجه الشرع الكريم، فسعد الناس بولايته وأشرب حبه في قلوب الخاصة والعامة وراد اشتهارا، وبعد صيت، فحسده أضداده من خاصة والده على ما آتاه الله من فضله.
فدسوا لوالده ما أوغر صدره عليه مما هو برئ منه، فعزله عن مراكش، وترك أهلها يبكون، وأهمله مدة مع الفحص والتنقير عما اختلقه الحسدة وألصقوا به حتى ثبتت لديه براءته، فولاه عام أحد عشر ومائة وألف على تارودانت ونواحيها، ورتب معه ثلاثة آلاف من الخيل وفوض له فيها التفويض التام، وقام بمأموريته فيها أحسن قيام، إلى أن صدر منه ما كان في الكتاب مسطورًا.
وكان المترجم كثير المخالطة والمجالسة للعلماء، يفدون إليه من كل صوب، وكانوا يقاسون معه الشدائد لذكائه وشدة فطنته مخافة الافتضاح معه في قصور فهم أو نقل كما أفاده أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد القادر الفاسى في المورد الهنى.
وكان من أخص خاصته الشيخ أبو عبد الله المسناوي، فوشى به إلى السلطان، وقيل له مع شدة اتصاله به لا يعيب عليه عزمه على القيام على أبيه فهو موافق على ذلك، فبادر بعض أصحاب السلطان إلى الاعتذار عن الشيخ لأنه كان ينهاه عن إرادة القيام وأنشد للمسناوى:
مهلا فإن لكل شئ غاية ... والدهر يعكس حيلة المحتال (١)