وهذا شاهد جلى لمسألتنا لو فرضنا وقوع النهى وعدم الإذن، مع أنه لم يكن نهى واشتهر بدله الإذن فتعين ما فعلنا من جهة ما سمعنا من الإذن ومن جهة ما هو متعين من الإجلال والتعظيم لمولانا نصره الله، إذ كان من قيم بحقه ممن يمت إليه بل مريب القرابة، ثم من جلى الإذن ما كان منه نصره الله صبيحة وقوع الموت مما كان شائعا وسمعه من حضر، وأسمعونا إياه من أمر مولانا نصره الله له بالقيام بأمر التجهيز والتشييع، وفى الأُبي شارح مسلم أن الحسن البصرى لما ليم على صلاته على الحجاج، قال: كرهت أن أستعظم ذنب الحجاج في جانب عفوه.
وفى الخازن مختصر تفسير البغوى ما نصه على قوله تعالى: {... لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)} [سورة: المائدة: آية ٣٣] هذا الوعيد في حق الكفار الذين نزلت الآية فيهم، فأما من أجرى حكم الآية على المحاربين من المسلمين فينفى العذاب العظيم عنهم في الآخرة، لأن المسلم إذا عوقب بجنايته في الدنيا كانت عقوبته كفارة له، وإن لم يعاقب في الدنيا كان في خطر المشيئة، إن شاء الله عذبه في الآخرة بجنايته ثم يدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة. هذا مذهب أهل السنة بحروفه.
وفى كتاب الإيمان من البخارى ما نصه: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهرى، قال: أخبرنى أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدار وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، وحوله عصابة من أصحابه: بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم، وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك.