زاهدًا، حافظا دراكة، متوسعا في علم التفسير ومعانى الأحاديث، قائما بالطريقة لا يخل بعلم الظاهر تدريسا، وألف تأليف عديدة تقييدا وضبطا، فنفع الله به جميع العدوتين سلا ورباط الفتح، وانتفع به الخلق من كل فج عميق بالتعليم والتربية للمريدين بقوله وفعله.
وكان له همة عالية وحالة مرضية، وقلم فصيح مع التمكين والرسوخ، إذا تكلم انتقش كلامه في القلب، وإذا وعظ وضع الهناء موضع التعب، قدم من مراكش إلى سلا، واستوطنها وتعرف بأهلها واجتمع عليه أعيان البلاد، وطلبوا منه التدريس بجامعها الأعظم فامتثل وحضر درسه جماعة من أعيان علماء سلا ثم زاره الأمير العلامة الكبير مولاى عبد الواحد نجل السلطان مولانا إسماعيل، كان مستوطنا رباط الفتح بقصد قراءة العلم، واستدعى المترجم للرباط فلبى دعوته فأنزله بداره، ودرس بالولى الصالح أبى العباس أحمد بن موسى العايدى، وكان يحضر درسه علماء الرباط.
ثم ورد السلطان الأعظم مولانا إسماعيل على رابط الفتح، ولما التقى به نجله المولى عبد الواحد المذكور حدثه بحال الشيخ المترجم ومناقبه وفضائله ومحاسنه، فقال له: لابد لى أن التقى معه في هذا اليوم وأخذ عنه الطريقة الشاذلية تبركا فركب السلطان وولده فوجدوا المترجم بالجامع الأعظم يسرد صحيح الإمام البخارى، وكان السارد لديه الفقيه العلامة القاضى سيدى عبد الله بنانى الأندلسى.
ولما دخل السلطان صلى تحية المسجد، وجلس لاستماع الحديث والشيخ لم ينظر إليه، ولما تم الدرس نظر الشيخ إلى القاضى وقال له عظنى يا ولى الله، وتذاكروا ساعة زمانية وافترقوا، ولما رجع الشيخ إلى دار سكناه ألفي بها مالا كثيرا وجه إليه به السلطان مولاى إسماعيل هدية، فلما وجد الشيخ ذلك وجه على تلميذه الفقيه الزبدى، وقال له: خذا هذا المال وافعل به ما شئت، فتشاور مع