الحل والعقد، حتى إنه لما عقد لوالده المولى المأمون على مراكش ألزمه الذهاب للمترجم لأخذ صك التقليد منه، وأمره بسماع وصيته والعمل بها رغما عليه، والحال أنه يعلم أن ولده المذكور يكره المترجم أشد الكراهة ولم يسمع منه وشايته فيه.
وقلده مفاتيح الخزانة المولوية التي حوت من التصانيف، وجمعت من أنواع الدفاتر وأسماء التآليف، ما لم تحوه خزانة بغداد، ولا علق بحفظ الدانى الأستاذ، وجعله الأمين عليها، بعد أن مدت أعناق شتى إليها، فنسخ أهم ما فيها في صحيفة صدره، وارتسمت علومها في مرآة فكره، فأصبح بحر علم لا يدرك قعره، ولا ينفد ولو كثر السائلون دره، قد تضلع في كل فن بما بهر الألباب، وترك جميع الكتاب وراء الباب، لاسيما في علوم الآداب، فإنه فيها العجب العجاب، له اليد الطولى في معرفة أيام العرب وأشعارها، وآثارها وأخبارها، لا يعزب عنه مثقال حبة من خردل من أمثالها، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا وهو خبير بتفصيلها وإجمالها.
وكان في جيد الدولة الإسماعيلية أفخر قلادة، وأفخم مأوى لأهل الفضل والسيادة، برعت في فن البلاغة أقلامه، وتقدمت في ميادين البراعة أقدامه، وطابت في عرش المعانى البديعية ثمرته، وخفقت في آفاق البيان أجنحته، لو رآه قدامة، لقدمه قدامه، ولو نظر إليه النضر بن شميل، لرآه أبعد عنه من السما وأعز عليه من سهيل، ولو أدركه محمد بن يزيد، لكان له كالتلميذ والمريد، يحمده عبد الحميد، ويعتمد عليه العماد وابن العميد، ولو بدا لشاعر بنى حمدان، أو لبدع همذان، لعداه بالخنصر من حسنات الزمان، وفرسان البلاغة والبيان، ولو فتح عينيه في الفتح بن خاقان، لطار لبه من شدة الخفقان، له الأفلام التي تخضع لكلماتها قامات الرماح، وتذوب منها في أجفانها القواضب الصحاح، استخدمت