كانت قبل المجلى، وأما ذكاؤه فهو شهاب يتوقد، وألمعية في كل آونة تتجدد، فقد غدا إياس، عن إدراك شأوه ذا إياس، عذبت مفاكهته، وعدمت مشاكهته، رمى بسهمه في أغراض المداعبة فقرطس، واستخرج من لجج بحارها ما أعجز من غطس، ما ألطفه تشبيها، يشهد للمشبه بأن له شبيها، في ذكر القلانس والخطيب، فقد هصرت من أفنان البلاغة كل غصن رطيب، وما أعلى منازعك، علوت منازعك، ولو حضر لأذعن لك ابن الخطيب، وقد وصف سيدي ما استحسن من المجلس والساق، وساق ذلك أحسن مساق، فأبدع ما شاء في تناسب واتساق، وإحكام المبنى، وتسديد اللفظ لغرض المعنى، والخروج من معنى لآخر حيث لا شعور للسامع، شاغلا له ببوارك سحرك اللامع.
غير أن سيدنا يسر حسواً في ارتغا، وما أدرى ما الابتغا، فقد رأيته راجع الالتفات، لاستدراك ما فات. وللنظرة ومدها استنزر. ولصيده في جوه حلق واستنسر. وذكر أنه ما أعرض عنه إلا لتوهمه أنني هيأته لنفسى فاستأثرت به. وإلا لالحفه بثوبه. فإن كانت المثابة العلية ممن يقنع بنظرة. وإن أعقبت حسرة وتمذهب بمن قال:
وهويته يسقى المدام كأنه ... قمر يطوف بكوكب في مجلس
فقد استوفى حظه. وأنال مراده لحظه. وليكتف بذلك أدام الله حفظه. ولم تبق له منة على في استبقائه. حيث استسقى الشمائل السالفة عند المعاطفة من تلقائه، وإن يقنع بذلك المقدور من التغزل، وأراد من خلع العذار كمال المرام من التنزل، وتمذهب بقول الآخر:
وضممته ضم البخيل لماله ... أحنو عليه من جميع جهاته
فلا ملام. على اغتلام، فالمجلس والغلام مع كمال المرام، ولعل بتيسر الجمع تجردكم عند الانفصال غمام، هذه دعابتى بعثت بها إلى محل كمالك،