والظفر بمردة قبيلة زمور الشلح في واقعة سنة تسع بتقديم المثناة على السين وخمسين ومائتين وألف، تلك الواقعة التي فات منهم فيها الأحزاب، وتقطعت بهم الأسباب: "ولدنا الأرضى الابن الأرشد، سيدى محمد أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فقد كنا أردنا الإبقاء على قبيلة زمور رحمة وإشفاقًا، وحملهم على الاستقامة بالإرهاب من الشدة في بعض الأمور هداية وإرفاقاً، فلم يرد الله بهم خيرا لفساد نيتهم، وخبث طويتهم، واتكالهم على حولهم وقوتهم، فما رأوا منا ميلاً وسداداً، إلا ازدادوا شدة وفساداً، ولا أظهرنا لهم عظة وإرشادا، إلا أظهروا تطاولاً وعنادا، وما أخرنا المحلة المنصورة عن الركوب إليهم إبقاء وإلفا، إلا ظنوا ذلك عجزاً وضعفًا، قد طمس الإعجاب منهم بصرا وسمعا. ولم يروا أن الله قد أهلك من قبلهم من القرون من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندا
فلما رأينا لجاجهم وعماهم، وعدم رجوعهم عن هواهم، وأنهم لم يعتبروا بجلائهم عن بلادهم، ولا بما أصابهم من الفتنة في أنفسهم وأولادهم، ولم يرعوا ما نهب من زرعهم القائم والحصيد، ولا ما استخرج من مخزونهم الكثير العتيد، رأينا قتالهم شرعًا، وجهادهم ذبا عن الدين ودفعا، فاعتمدنا على حول الله وقوته وأمرنا بالزيادة عليهم في الأخذ والتضييق، والمبالغة في النهب والتحريق، وتركهم محصورين في أوعارهم، ومقهورين في أوكارهم، إِذْ رُبَّ مطاولة؛ أبلغ من مصاولة، فتوالت عليهم الغارات، وتتابعت عليهم النكبات، لا يجدون إلى الراحة سبيلاً، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، ففى كل يوم تثمر العوالى رءوس