للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رؤسائهم، وتختطف أيدى المنايا أهل بأسائهم، وكلما زادوهم إقبالا وطلبًا، ازدادوا توغلاً في الجبال هربا. حتى نهكتهم الحرب، وضرستهم موالاة الطعن والضرب، وضاع بالحصار الكسب والمال، ولحق الضرر الأولاد والعيال، فجعلوا يرحلون لقبائل جوارهم، طالبين لحلفهم وجوارهم، وبلغ البؤس فيهم غايته، وأظهر الله فيهم آيته.

وهم في خلال هذا كل حين يتشفعون، ويتذللون في قبول توبتهم ويتضرعون، ونحن نظهر لهم التمنع والإباية لنبنى أمرهم على أساس الجد، ونجازيهم على ما ارتكبوه من خلف الوعد، فلما أنجزت القهرية فيهم وعدها، وبلغت العقوبة فيهم حدها، قابلنا إساءتهم بالإحسان، ورعينا فيهم وجه المساكين والنساء والصبيان، فولينا عليهم منهم ثلاثة عمال، ووظفنا عليهم خمسين ألف مثقال، وشرطنا عليهم تقويم مائتين من الحراك مثل قبائل الطاعة، والتزام الصلاح والخدمة جهد الاستطاعة، فقاموا بذلك أحسن قيام، وأعطوا المراهين في أداء المال بعد أيام، وكان أخذهم بعد تقديم الأعذار، وتكرير الإنذار، وعفونا عنهم عفو غلب واقتداء، ورب عقاب أنتج حسن طاعة، وتوبة نصوح تداركت ما سلف من التفريط والإضاعة، وفى الناس من لا يصلح إلا مع التشديد، وربك يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد:

وما عن رضا منها عطية أسلمت ... ولكنها قد قادها للهدى القهر

أردنا بها الإبقاء فازداد عجبها ... وأد بها التشديد والفتك والأسر

ولو قيدوا النعمة بالشكر لأمنوا الزوال، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، والسلام فاتح رجب الفرد الحرام عام تسعة وخمسين ومائتين وألف".

وقوله في مقامة:

<<  <  ج: ص:  >  >>