قيل: إنه عبث بنسوة بعض الأعيان، وأطاع فيهن داعى العصيان، فاستجار أزواجهن بمن لهم كلمة مسموعة، وأسرة مجموعة، من الشرفاء الطاهرين أهل العدوة، وأثاروا ما لهم من نجدة ونخوة، فخرجوا عن طاعته وتمالئوا على الفتك به، وأعلنوا بعد صلاة الجمعة بحرم مولانا إدريس نور الله مضجعه بلعن القائد وسبه.
وخشى السلطان مولانا عبد الرحمن أن يتسع الخرق بسببه، فأطفأ النار بحبسه، وسد ثلمة الهيعة برأسه، وحمل إلى سجن المدينة، بهيئة مهينة، وولى على أهل فاس القائد الأحمر، فأذاقهم البلاء الأكبر والوبال الأمر، ونفى بعض أولئك الشرفاء إلى مرسى الصويرة جزاء على فعلتهم الخطيرة، ونقل الوزير المذكور لأعتابه، مؤمنًا من ملامته وعتابه، وأدرجه في خاصة كتابه، وأغناه الله بالبحر على النهر، ومكث على ذلك حينا من الدهر، ولما كان فذ أهل أهل طبقته في الاختصار، والتجافى عن الإسهاب والإكثار.
كان الإمام المذكور يؤثره لذلك بتنقيح واختصار ما استطوله، وتوضيح ما أشكله، فيرتب فصوله، ويلغى فضوله، ويبقى محصوله، ويغص به من يجر في مقام التشمير ذيوله، ثم ولاه الصدارة فأوسع لها درعه، واستفرغ في إدارتها وسعه، ولما رأى أن هذا المنصب محك القول ومحط الأهواء، وهدف سهام الوشاة والأعداء، صاحبه على غرر. وإن استخرج منه الدرر. ومعتقده في هم وتعب، وإن افترش السندس ومشى على الذهب، فهو كراكب الأسد، يخافه الناس وخوفه منه أشد:
قرب الملوك يا أخا البدر السنى ... حظ جزيل بين شدقى ضيغم