قدم للسلطان طلب إعفائه. واعتذر بأنه ليس أهلًا لهذا الأمر ولا من أكفائه. لكبره وضعفه عن تحمل أعبائه. فقال الملك ما معناه: مالك أيها الرجل كلما أردنا لك رفعا ونفعا. أظهرت إباء ودفعًا؟ أما الكبر والضعف. فكلنا بذلك الوصف. فاصبر واحتسب. في مصالح الأمة على ما لا تحب، فأجابه بما معناه: يا مولانا إنى لا أصلح أن أكون رئيسًا معلمًا، بل يجب أن أكون مرؤوسا مسلما، ثم أعفى بعد مراجعة، وعتاب في طيه منازعة.
واستشاره السلطان فيمن يولى هذا المحل بعده، ويطوقه عقده، فأشار بجماعة كلهم للتقديم طامح، وللانتخاب لامح، ولسمك تلك المرتبة بسنان أمله رامح، حتَّى وقع الاختيار، على الفقيه الكاتب أبي عبد الله الصفار، وهو إذ ذاك متعلق من المسكنة بسبب، عاطل إلا من العلم والكتابة والأدب، فأتته الوزارة على قدر، تقود البدور والبدر، وبقى المترجم له محفوظ الحرمة، كاتبا مستشارًا في كل مهمة.
ثم استوزر لأمير المؤمنين سيدى محمد زمن استخلافه عن أبيه ولخليفته بفاس إلى أن خبت ريحه، واشتمل عليه ضريحه.
ومن مناقبه المحمودة. ومآثره التي هي على هامة الاعتبار معقودة، أن السلطان مولانا عبد الرحمن قدسه الله لما جرى عليه من الجيش ما جرى، واعترى عبيده من التشريد ما اعترى، بعد أن تفانوا على حماية جنابه، وتباروا في التزام ركابه، حتَّى تغير شكل موكبه، ونهب ما عدا علمه المقدم ومركبه، واشتد عليه الظمأ، حتَّى لا ساقى ولا ماء. التفت فلم ير سواه، فاستدناه وآواه، فأسقاه بخفه حتَّى أرواه. ودخل صحبته إلى مكناسة الزيتون، فأحله حيث تجله العيون، واستنجد بأفكاره على استنتاج أطواره، حتَّى أدبر جيش الفتنة بسنان قلمه وفيصل رأيه، فاعترف بمزيد فضله وحميد سعيه.