ولم تزل تلك اليد محفوظة له ندية، متلوا حديثها في جميع الأندية، وحضر مع أمير المؤمنين سيدى محمد زمن خلافته، بوصف القيام بوزارته، في الليلة التي أسفر عن وجه النصر صبحها، وكسر سورة الخسر ربحها، ليلة أجلب الحاج عبد القادر بن محيى الدين على ملحته بخيله ورجله، وألقي بكيده وحيله.
أخبرنى من سمعه أنَّه قال: لما انسدلت جلابيب الظلام، وتكافأ الساهرون والنيام، وابتسم ثغر البسيط لبكاء الغمام، جاء المذكور بمن اقتفاه من صحبه، المستميتين لإعلاء كعبه، فأطلقوا على سمت المحلة من الرصاص شؤبوبا، وعبابا مشبوبا، بعد أن أوقدوا نارًا على متون الركاب، وشردوها بين الأخبية والأطناب، فامتلأت القلوب والجوانح قرحا، والجوانب قتلى وجرحى، وصارت الجيوش السلطانية ترمى بعضها، وتهم أن توسع في الفلاة ركضها، حيث لم تدر للعدو ناحية، ولا شعرت بالداهية، ولسان حال الزعيم يقول رب حيلة، أنفع من قبيلة.
ثم نودى بالنهى عن الركوب، والصبر على الأمر المكتوب، فتراجع الطبجية إلى المدافع ففجروا منها بحارًا ذات أمواج، اهتزت لها الجبال والفجاج، وتلتها شهب منقضة من أفواه المكاحل، كحلت بميل الردى كل مدبر وواحل، فشرق الزعيم، لا يلوى على حميم، وأصبح جمعه كسيرًا، ووزيره البوحمدى أسيرًا، في جماعة من تلك الفئة، التي كانت نحو الألفين وخمسمائة، ووجد على أصحابه أقبية الحرير، والعمائم الموسومة بالتذهب والتحبير، إغياء منه في الترفيه، وزيادة في الأثرة والتنويه، وكان ذلك في المحرم فاتح عام أربعة وستين ومائتين وألف. هـ بمعناه.
وعلى الإجمال ففضل هذا الوزير عند أهل الفضل معلوم، وأثره في صحف المفاخر مرسوم، ولولا تمسكه بذيل العفاف، وقناعته من الدنيا بالكفاف، وانقباضه عن غير من ترجى بركته، وتحض على السكون حركته، لسار صيته مسير