التعويل في التعديل والتجريح، وعند إشارته يقف الولاة وغيرهم من الأكابر في كل مهم، مع السمت الحسن، والهدى المستحسن، والدين المتين، والأخلاق الحسنة، والكرم المبذول، والتحبب إلى أهل الخير وموالاتهم والسعى في مرضاتهم ومجاملة كل فريق، بما هو به خليق، مع المبادرة إلى كل فضيلة، والتخلى عن كل رذيلة، مرت عليه سنون عديدة وهو لا يرى إلا في مسجده أو في داره ولا تراه خارجا عنهما إلا في النادر لموجبه القوى.
أما الولائم فقد كان تاركا لحضورها، عكس عيادة كل من له حق يقتضيها من المرضى، ولا يكاد يتخلف عن حضور جنازة تجده في كل ذلك من أهل الرعيل الأول، ولقد كان الإمام في الخمس بالضريح الراشدى، والواعظ الوحيد بالمسجد الجامع من بلده إثر صلاة الصبح يصعد كرسى الوعظ وهناك ويشنف آذان السامعين برقائق التفاسير القرآنية، وجوامع الكلم المصطفية، ونافع معارف السادات الصوفية، فترتاح لذلك القلوب وتنشرح الصدور لحسن تحبيره، وتمكن تصديره.
ولقد كان مع هذا كله لم يترك نصيبه من الدنيا يحسن تدبيرها، وخصوصا الفلاحة، وقد كان قائما بحظ وافر منها، وسيطا بذلك في الثروة وتنمية العقار، وفذًّا واحدًا في الجاه وعلو المنزلة، وخصوصا بعد وفاة مشاركه في الصدارة وكمال المنزلة ابن عمه العلامة مولاى الفضيل.
حدثني ابن عمنا العلامة الأقعد سيدى محمد بن أحمد العلوى أنَّه شاهد يوم موت المترجم رجلا كان يشار له بالخير يقول خطابا لبعض الحاضرين إنه -يعنى صاحب الترجمة- من أهل الخير والصلاح، قال محدثى المذكور: ومن قرائن ذلك أنَّه لما بقى لموته نحو عشرة أيام صمم العزم على أنَّه حان وقت لقيه لمولاه تبارك وتعالى، وتجرد من كل العلائق وأوصى وحبس وأعتق وأعطى وقسم على أولاده حتَّى فراشه ولباسه، ولم يبق في محل سكناه إلا الفراش الَّذي هو