فقال له المترجم: إنك إن أتيت أخي مدحته وأجارك وهو سلطان، وأنا غريب وكان بإصبعه خاتم ثمين فنزعه من خنصره وناوله الشيخ فأخذه الشيخ وضمه إلى صدره وأنشد:
نظرت لخاتم قد جل قدرا ... تحف به الخلافة والكرامة
فقلت له شرفت وأى فضل ... حويت بلبس مولانا سلامة
وقال له: إن خاتمك شريف، والشريف لا يستعمل، وقد أجازنى أخوك في الدنيا وجائزتى منك في الآخرة، ووضعه بين يديه فامتنع مولانا سلامة من قبوله، فقال له الشيخ: لا تحرمنى من جائزة الآخرة، فهي خير وأبقى والأعمال بالنيات فتركه الشيخ بين يديه، وخرج. رحم الله تعالى الجميع.
ثم بعد هذا عاد إلى المشرق ولم يزل يتردد به إلى أن وافته منيته.
هذا ملخص ما للزيانى، والضعيف، والجيش مع ترتيب، وتحرير وتهذيب، يظهر للقارئ المنصف بمراجعة الأصول.
وكان ختم أنفاسه بتونس بعد أن اعتراه شبه اختلال، وأقبر بزاوية أبي الحسن على عزوز قرب سوق البلاط، على ما أخبرني به صاحب التعطير صديقى الحميم الشيخ عمر الرياحي التونسى حفيد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم المذكور آنفًا.
وقال أبو العباس أَحْمد وابن أبي الضياف التونسى في تاريخه: إن مولاى مسلمة خرج من المغرب إثر خلعه وجاب الآفاق وأقام مدة بالديار المصرية، واجتمع فيها بنابليون الأول ووقعت بينهما المهادات، وكان هذا الشريف منصفا يذكر ما شاهد من حزم نابليون وشجاعته وثقوب فكره وإخباره بما آل إليه حال المسلمين وأسبابه من الانغماس في النعيم والتفنن في الحضارة واستعمال السرف؛ في مذاهب الترف، حتَّى إن أثقال أمراء الجيوش توازى أثقال الجيش أو معظمه،