وفي يوم الجمعة الرابع عشر فرق على عرب الصباح صندوقين من جعاب المكاحل الرومية وكساهم وولى عليهم أحد أتباعه يسمى العياشى، وفي اليوم نفسه وقع هرج ومرج برباط الفتح حيث إن بركاش المذكور رام أن يخطب بهشام والحاج العباس أراد الخطبة بالمترجم، وآخر الأمر لم ينفذ مراد واحد منهما، وصلى النَّاس الجمعة ظهرًا، وكثرت الأهوال، وفسدت الأحوال، واضطربت الأمور، وتحرجت الصدور، وأصبحت الدوائر على المترجم تدور؛ وفت في عضده فخلع نفسه وقد كان فرق في الأشراف وغيرهم نحو السبعين قنطارا.
وفي ليلة السبت الثامن والعشرين من شعبان عام ستة ومائتين وألف، خرج وزان ناجيا بنفسه، حيث رأَى أن شوكة أخيه سليمان قد بلغت الغاية في الشدة، وكانت دولته بوزان نحو شهرين، ونفوذه سائر في القبائل الجبلية وأهل الفحص وما والى ذلك من الثغور.
ثم لم تزل أيدى التغريب والنوى تلعب به إلى أن رحل إلى الحج ودخل مصر وأقام بها مدة، ثم توجه إلى مكة فنزل على سلطانها صهره على أخته، ثم عاد إلى مصر، ومنها توجه إلى تونس فعظم أميرها حمودة باشا شأَنه وأَكرم مثواه ونزله ورتب له جراية كجراية ولى عهده، وبقى بتونس معظما مكرما، وتزوج عقيلة من بيت الشيخ القصرى أَولدها ذكرًا تُوفِّي صغيرًا.
قال في تعطير النواحى: زار المترجم إمام عصره الشيخ أبو إسحاق الرياحي، ولما أراد الخروج قال له: لا أُسرحك في حر الشَّمس، وألزمه أن يتغدى معه، ولما أراد الشيخ الرجوع عشية أَنشد للمترجم.
ولما نزلنا في ظلال بيوتكم ... أُمنا ونلنا الخصب في زمن المحل
ولو لم يزد إحسانكم وجميلكم ... على البر من أهلى حسبتكم أهلى