وقد أفاد محررو المباحث السياسية تطرق الضعف إلى الدولة الاستبدادية وهو كثير ينحصر فيما يلى:
١ - التنافر بين الملك وأهله، والسبب في ذلك أن الملك إذا أتاح له الحظ التربع في دست السلطنة أخذته أبهة الملك فيقوم في اعتقاده أذا خلال الكمال، وصفات الجلال، انحصرت فيه، فإذا توهم ذلك في نفسه شق عليه أن يسمع مخالفة من رجال دولته، لا سيما أهله الذين يجور للواحد منهم أن يخلفه في الرياسة، فيزداد مع الزمان حذرا من أهله، وتختلف طرق تصرفه معهم أو معاملته إياهم باختلاف مزاجه ودرجة تعقله وسائر أحواله، لكنه في كل حال يخاف على منصبه منهم.
٢ - الركون إلى الحضارة. يصح هذا على الدولة ذات القوة والمنعة، فلا تلبث أن تتحضر حتى تضعف قوتها، ويذهب ما كان لها من شدة البأس، ويصير أهلها إلى الرخاء والتمتع بالملذات، وهذا الرخاء إنما يصيب الملك ووزراءه ورجال دولته، لأن الأموال في الحكم الاستبدادى تصير إلى هؤلاء، وقد تكون الرعية في أشد الضنك، إلا من التف حول رجال الدولة وارتزق بالتزلف إليهم ومصانعتهم، والقيام بما يحتاجون إليه من أسباب الملاذ.
٣ - اصطناع الجند، الترف والرخاء، يؤثران في رجال الدولة، فتذهب منهم شدة البأس، فيركنون إلى الملاهى والملذات ويقعدون عن الحرب، وبعد أن تكون قيادة الجند في أيديهم، يعهدون بها إلى بعض صنعائهم من أمراء الجيش، وهم يستولون على أعطيتهم من الملك، فلا غنى لهم عن طاعته والأخذ بناصره، فيزداد بذلك الملك ركونا إلى الرخاء، ويزداد ضعفا ويزداد قواده وصنائعه من الجيش نفوذا في الدولة ودالة على الملك، فيطمعون في المناصب الرفيعة، فتصير إليهم الإمارة أو الوزارة أو قيادة الجيش في الحرب، ويصير الحل والعقد في أيدهم،