يولون الملوك ويعزلونهم أو يقتلونهم أو يحجرون عليهم، كما فعل الترك بالخلفاء العباسيين، والانكشارية بالسلاطين العثمانيين، وجيش العبيد بالسلاطين العلويين.
ويظهر الهرم على الدولة إذا تكاثر المصطنعون، واشتغل السلطان ووزراؤه بأنفسهم عن الدولة وفسدت أمورها، ويزيدها فسادا اضطرار الملك ورجاله إلى النفقات الباهظة على أنفسهم في سبيل الملذات، وبناء القصور، واقتناء الجوارى، والاستكثار من أسباب الترف بأى وسيلة كانت.
ويكثرون الضرائب فتنتشر المظالم، فتغضب الرعية وينقمون، ويتشاورون فيما بينهم عن فساد الدولة، ويتمنون الخلاص منها، ويترقبون فرصة للخروج من سلطانها.
أما الملك فلا يهمه يومئذ غير حفظ نفسه واستبقاء نفوذه، فينفق الأموال في التجسس واصطناع الجند لحمايته، وكثيرا ما تنشب الفتن بين رجال النفوذ أو بينهم، وبين الملك ويتنازع الخاصة -وهم طلاب المناصب- في التقرب من السلطان التماسا للكسب لانحصار المال هناك، ويشتد النزاع على أسباب الرزق، فتكثر الأحزاب ويصبح الأمر فوضى، فيعجز الملك عن تدبيره، وهو عاجز عن ذلك بطبيعة الحال لأنه شب محجورا عليه بين النساء والأطفال، على أن الدولة قد توفق في كهولتها أو شيخوختها إلى ملك مقتدر يريد بها خيرا، لكن لا يستطيع ذلك لتمكن الفساد فيها، وتعويل رجالها على الارتزاق من ذلك الفساد، فيعود سعيه وبالاً عليه، كما أصاب عمر بن عبد العزيز في الدولة الأموية، والمهتدى بالله في الدولة العباسية، والسلطان سليم في الدولة العثمانية ...
فإذا اعتبرنا الدولة جسما حيا، كانت هذه الظواهر أمراضا في ذلك الجسم تدل أعراضها عليها، فتكون العلة في الرأس أو الصدر أو الأطراف، فإن كانت في الرأس فهى في الملك من ضعف رأى أو فساد خلق، وإذا كانت في الصدر ففى