رجال الدولة من طمع وانقسام، وإذا كانت في الأطراف فمن ضعف العمال والولاة أو من جائحة أصيبت بها المملكة.
ومعالجة هذه الأمراض أيسر في الحكم الدستورى مما في الاستبدادى، لأن الملوك المستبدين إنما يطلبون النفع الشخصى، فإذا كانت علة الفساد من ضعف أخلاقهم، فإن ذلك الضعف يغريهم على التمسك بالسيادة لو آل أمرها إلى خراب المملكة.
أما إذا كان الرأس سليما فيهون عليه معالجة سائر أسباب الضعف، فالدولة الاستبدادية يتوقف موتها وحياتها بالأكثر على الملك خلافا للدولة الدستورية.
والفرق بين الحكم الاستبدادى والحكم الدستورى، أن الأول هو الشريعة التي يحكم بها الملك رعاياه، والثانى عبارة عن القوانين التي تقيد الرعايا بها أحكامه وأحكام رجال دولته، وبعبارة أخرى: إن الحكومة أو الدولة قد تكون مؤلفة من رجل أو عدة رجال، وبها ثلاثة أعمال: سن القوانين، والفصل في الخصومة، وما هى نسبة أعضائها بعضهم إلى بعض، ويبين الكيفية التي ينبغى أن تجرى بها الأحكام، فهو قيود للقوة المتسلطة، والإنكليز هم أول من أنشأ مجلس النواب وأعطاه هذه السلطة، ولذلك يقولون في أمثال الإفرنج "إن الإنجليز أم المجالس النيابية" والدستور لا يختص بالحكم الملكى ولكنه يتناول الجمهوريات، بل الجمهوريات أولى أن تقيد بإدارة الشعب، وكل أمة فيها مجالس تنوب بأصواتها عن الشعب كانت حكومة دستورية.
ويسوءنى للغاية تغلب الاستبداد على طبيعة ملوك الإسلام، مع علمهم بفائدة التقييد بقوانين الشريعة المتعلقة بالأمور الدينية والدنيوية، التي من أصولها المحفوظة إخراج العبد عن داعية هواه، وحماية حقوق العباد سواء كانوا من أهل الإسلام أو غيرهم، واعتبار المصالح المناسبة للوقت والحال، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.