ومن أهم أصولها وجوب الشورى، ومن الأصول المجمع عليها وجوب تغيير المنكر على كل مسلم بالغ عالم بالمنكرات، ولولا تغيير المنكر ما استقام للبشر ملك -لأن الوازع ضرورى لبقاء النوع الإنسانى ولو ترك ذلك الوازع يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لم تظهر ثمرة وجوب نصبه على الأمة لبقاء الإهمال بحاله- فلا بد للوازع المذكور من وازع له يقف عنده إما شرع سماوى أو قانون معقول، وكل منهما لا يدافع عن حقوقه إن انتهكت -فلذلك وجب على علماء الأمة وأعيان رجالها تغيير المنكرات، فالمغيرون للمنكر في الأمة الإسلامية تنقيهم الملوك كما تتقى ملوك أوربا المجالس وآراء العامة الناشئة عنها وعن حرية الطابع- ومقصود الفريقين واحد، وهو الاحتساب على الدولة لتكون سيرتها مستقيمة.
قال ابن خلدون في فصل الإمامة من مقدمته: إن الملك لما كان عبارة عن المجتمع الضرورى للبشر ومقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من آثار القوة الغضبية المركبة في الإنسان، كانت أحكام صاحبه في الغالب على ما ليس في طوقهم، فتعسر طاعته بذلك، وتجئ العصبية المفضية إلى الهرج والقتل، فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم، وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستقم أمرها ولا يتم استيلاؤها، فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصائرها كانت سياسة عقلية، وإذا كان فرضها من الله تعالى بشرع يقررها كانت سياسة دينية نافعة في الدنيا والآخرة - ... أجل نفعها لا يتم إلا ببقائها محترمة بصونها، والذب عن حوزتها بمثل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
فمن ثم وجب أن نجزم أن مشاركة أهل الحل والعقد للملوك في كليات السياسة مع جعل المسئولية في إدارة المملكة على الوزراء المباشرين لها بمقتضى قوانين مضبوطة مراعى فيها حال المملكة، أجلب لخيرها وأحفظ له.