للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظن به في ذاك، وهل كان يتغير ويستبد ويعمل بصرامة وشدة ما فوقها من شدة ما لم تكن دسيسة تؤثر أو مكيدة تدبر أو مؤامرة تنقل ... إلا إن أمكن أن تفرض له من غاية غير معروفة أو قصد غير مطرد وهذا ألا أراه كما لا يراه الجمهور العاقل من غيرى.

لنرجع إلى التاريخ نفسه. فهل له أن يرشدنا إلى وقت سادت فيه السكينة وعم فيه الأمن أو وقف فيه فقط دولاب الحركات والثورات وإيفاد نيران الفتن من زعمائها وأحزابها، ثم نسائله هل كان من صاحب الترجمة أن عمد إلى شئ من استبداد برأى أو سوء صنيع برعية؟ وهل كان إن انتهك حرمة أو أساء صنيعا أو تعمد قتلا وأسرف فيه ما لم يكن قد ضاق صدره واشتعلت أطراف الفتن والمؤامرات من كل ناحية؟

بل هذا ملك البلاد وهو على رأس السلطنة يضطر لتحمل إهانات شنيعة من زعانيف صعاليك بعد تجرع أنواع المضض من سوء السيرة وأنباء الفتن وحوادث الاضطرابات وآفات التفرق، ثم تزوج عليه نساؤه بدون موجب، ويؤخذ منه حريمه غصبا, ثم يوقف موقف السوقة مؤاخذا معاتبا من أنذال لا خلاق لهم كنت لا تجد بينهم لو اطلعت عليهم من لا تفرق بين دماغه وبين أرض البادية الخلاء البلقع محلا وجدبا، ثم ندعوه أمام التاريخ لحسابه على ما فرط، ولمؤاخذته على ما جنت يداه.

ومع ذلك فلست أنكر أن كانت للرجل مندوحة في كثير من الأحيان وفى نظائر وأشباه من المناسبات والظروف عن تحمل مسئولية كثير من الوقائع والأخطار، وتجنب غير قليل من الحروب والمشاغبات، فقد كان يمكن أن يفض الكثير منها بحسن السياسة المستعمل في غيرها، وجميل التدبير المتخذ في نظائرها، وبذلك كانت تصان دماء وتحفظ حقوق وتقف اضطرابات عند حد.

<<  <  ج: ص:  >  >>