سنين، وفى الألفية العامين والثلاث أكثر ما يجلب من الأقوال الشاذة، والمعانى الغريبة الفاذة، وكثرة التشغيب بالاعتراضات وردها، ومناقشة الألفاظ وعدها، ويخلط على المتعلم حتى لا يدرى الصحيح من السقيم، ولا المنتج من العقيم، وفى ذلك تضييع الأعمار التي هى أنفس المتاجر بلا فائدة، وتعمير الأوقات التي يرتجى نفعها بلا عائدة، فتجد الطالب يرحل في طلب العلم من بلاده، ويتغرب عن أهله وأولاده، ويقيم المدة المتطاولة لا يحصل مع كثرة دءوبه على طائل، ولا يقف على محصول ولا حاصل، فترى الفقهاء يكثرون على المبتدئ من نقول الحواشى والاعتراضات، وينوعون الأقوال والعبارات، حتى لا يدرى ما يمسك، ولا أى سبيل يسلك، ويقوم من مجلس الدرس أجهل مما كان، ولا يجد زيادة مع بلوغه في نفسه الإمكان.
وهذا يؤدى إلى ضياع العلم الذى هو ملاك الدين ويحمل على عموم الجهل في العالمين، وما هكذا كان يفعل أهل الإفادة والتحرير، الذين يحرصون على نفع طلبة العلم رغبة فيما عند الله من الأجر الكبير، فقد كانوا يسهلون لهم طرق العلم واستفادته، ويرتكبون ما يقرب تحصيل العلم وزيادته، ويتنزلون لعقول الطلبة على قدر أفهامهم، ويحتالون على حصول الفهم والعلم للمتعلمين بلطيف عبارة كلامهم، حتى يحصل اللبيب على مراده في أقرب أوان، ولا يضيع عمره سبهللا من غير تحصيل ولا عرفان.
إذ كان مقصودهم في ذلك الله ونشر العلم للعمل، لا التفصح والتمشدق الذى يحصل معه الخلل والملل، ولا ينجح معه لذى أرب أمل.
وهذا من الأمر الذى يجب التنبيه عليه، ويتأكد في جنب أرباب المناصب الجنوح إليه، إذ في الحديث: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المؤمنين وعامتهم.