وخرج ابن وهب عن سفيان أنه كان يقول لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا موافقا للسنة، ولما بايع الناس عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبى، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة ألا وإن الحلال ما أحل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإنى لست بمبتدع، ولكنى متبع، ألا وإنى لست بقاض، ولكنى منفذ، ألا وإنى لست بخازن ولكنى أضع حيث أمرت، ألا وإنى لست بخيركم ولكنى أثقلكم حملا، ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثم نزل.
فإن قيل: هؤلاء يحبون شيخهم ونبيهم ويصلون عليه ويرجون شفاعته، ولهم نية خالصة في عبادتهم وأفعالهم في الله قلنا: كما قال الحسن: لا يغرنك قول من يقول: المرء مع من أحب، فإنك لن تلحق الأبرار إلا بعملهم وسنتهم، فإن اليهود أحبوا موسى وليسوا معه، إذ لم يتبعوه بل كذبوه ولقد أحسن من قال:
ومن يدعى حب النبى ولم يكن ... بسنته مستمسكا فهو كاذب
علامة صدق المرء في الحب أن يرى ... على منهج كانت عليه الحبائب
والنية لا تنفع إلا مع اتباع السنة فقد كان للكفار نية خالصة في أصنامهم ولا ينفعهم ذلك، وما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله ابتعادًا.
تنبيهان: الأول أسلفنا فيما نقلناه من قضية السلطان رافع التحذير من أفعال من ينتسب إلى الصوفية، وليس القصد الإرسال في ذلك فيجد من في قلبه مرض لإيقاد نار الفتنة السبيل إلى الانتقاد على أماثل أهل الدين، الذين بذلوا أرواحهم في خالص الطاعة كل حين، كالحسن البصرى والشاذلى والجنيد والسرى السقطى وابن أدهم ومن ضاهاهم من سلف الأمة وخلفها المهتدين المتقين، المنوه بهم في