قال يا بنى أَطرفنا بشئ من الأخبار. مما عقلت من الأحبار. ونبذة من عجائب الأسفار. فحدثنا بقصص رائقة، سلك فيها منهج الإتقان ورائقه.
أَخبرنا قال حدث الخالد عن أبى بكر الصنوبرى، قال: كان بالرُّها وراق له سعد، وكان يجلس له أهل الفضل والأدب من أهل عصره وكان حسن الأدب غزير العلم، كثير الفهم، ينظم الأشعار الفائقة الرائقة، وكان جملة من الأدباء لا يفارقون دكانه، منهم أبو بكر المعوج الشامى الشاعر، وأبو بكر الصنوبرى وغيرهم من علماء الشام وديار مصر.
وكان لتاجر نصرانى هنالك ولد اسمه عيسى من أحسن الناس وجها وأعلاهم قدرا، وأظرفهم منطقا، وكان يجلس إلينا ويكتب من أشعارنا وجميعنا يحبه ويميل إليه، وهو حينئذ في المكتب، فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا، وكان يعمل فيه الأشعار فمن ذلك قوله فيه وقد جلس عنده يكتب شعرا:
يرى المنعم لا يدرى بمن كلفى ... وأنت أشهر في الصبيان من علم
ثم شاع بعشق الغلام، فلما كبر وبلغ الاحتلام، أحب الرهبانية وخاطب أباه وأمه في ذلك، وألح عليهما فأجاباه، وخرجا به إلى دير زكرى بنواحى الرقة وهو في نهاية الحسن، فابتاعا له قلابة فأَقاماه فيها، وضاقت الدنيا على سعد الوراق فأَغلق دكانه، وهجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام يعمل فيه الأشعار، ويسير خلفه حيث سار.
فأنكرت الرهبان إلمام سعد بعيسى ونهوه عنه وأَنكروا عليه، وأَغلظوا له في القول، وأَزمعوا على إخراجه إن دخل القلابة على عيسى، فلما رأى سعد امتناعه منه شق ذلك عليه وخضع للرهبان، وتملق لهم فلم يجيبوه، وقالوا: هذا عار علينا وفيه إثم فلا تمكن موافقتنا عليه، مع ما نخشى من السلطان.