حاله: ولد بالمدرسة المولوية، أحد القصور السلطانية بعاصمة مكناس، ونشأَ في حجر الصيانة، وتغذى بلبان الأدب والعفاف، ثم بعد أن شب وقرأ ما شاء الله من القرآن ومبادئ الفنون، وجهه والده السلطان المظفر لثغر تطوان، ورشح لتعليمه المهرة من الأساتيذ والأعلام، فأكب على التعلم بحزم وعزم، ووالده وراءه أذنا وعينا، إلى أن فتحت له النجابة بابها، وأدخلته العناية حجابها، وحصل على ما قسم له مما منه يراد وبرع في الكتابة والترسيل وصار يتصرف في فنون الإنشاء، وفق ما منه يشاء، وتعاطى قرض الشعر ومالى إلى الأدب ميلة واحدة فحفظ من الأشعار، ما كان غالى الأسعار، ومن الرسائل، ما أصبح معين البلاغة منها سائل، ما أوجب توقد قريحته، وزاد في قوة عارضته وتوسيع حافظته، وكان في التوقع والنقد والذكاء آية، ثم رجع لمسقط رأسه وأقام به برهة من الزمان.
ثم عقد له والده على جيش عرمرم، ووجهه خليفة عنه لقضاء مأمورية بوجدة، وذلك في ثانى عشرى قعدة الحرام عام ثمانية وثلاثمائة وألف، فسار فيما رشح له أحسن سيرة، إلى أن تم المراد، على وفق ما كان والده أَراد، وكان وزيره إذ ذاك العلامة السيد العربى المنيعى، ورئيس مشوره وكبير محلته هو الطالب محمد بن سلم السلاوى البخارى، وكان رجوعه من هذه الوجهة ووصوله لحضرة والده بفاس في ثانى عشرى شعبان عام تسعة، ثم رشح للخلافة بفاس في حجة الحرام عام تسعة، وكان وزيره بفاس هو شيخنا العلامة السيد الحاج المختار بن عبد الله، وهذا مثال مما كان يجرى بينه وبين أبيه يومئذ من الرسائل بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (الحسن بن محمد الله وليه ومولاه):
"ولدنا البار الأرضى، مولاى عمر، أصلحك الله، وسلام عليك ورحمة الله.
وبعد: وصل كتابك بأنه ورد على أعتابنا الشريفة الرجل المسمى بسليم بن