من ذلك أنَّه جاء إلى أبي المحاسن يومًا أسير يستعينه في الفداء، وكان كثيرا ما يفعل ذلك، فأرسل إلى صاحب له ممن كان يلازمه أن يبعث إليه دينارا، فذهب إليه الرسول فكأنه ثقل عليه فلم يعطه شيئا، فمر الرجل في رجوعه للشيخ على المترجم وهو قريب المرسل إليه الممتنع من الإعطاء، فقال للرسول: أين كنت يَا فلان؟ فقص له الأمر، فقال المترجم: أنا أعطى ذلك، فأخرج له دينارا، فذهب الرسول إلى الشيخ وأخبره بما وقع من الرجلين، فقال الشيخ: ونحن نمسك سيدي أَبا القاسم ونترك الآخر، فكان الأمر كذلك، لازمه هذا، وانقطع الآخر عنه، ونفع الله بصحبة الشيخ صاحب الترجمة نفعا بينا، ومن جد وجد، وسر الله في صدق الطلب.
وكان للمترجم شهرة في تدريس النحو، وكان الكاتب البارع أبو فارس عبد العزيز الفشتالى تصدر لإقراء مقصورة المكودى بقصد شرحها، فكان إذا أشكل عليه شيء من جهة الإعراب لا يفاوض فيه إلَّا صاحب الترجمة لما تفرد به من مزيد الضبط والتحقيق، ومن فوائده ما ذكره في فهرسته مما سمعه من شيخه يعقوب اليدرى هذا اللغز المنسوب لابن غازى في القلم:
وميت قبر طعمه عند رأسه ... إذا ذاق من ذاك الطعام تكلما
يقوم فيمشي صامتا متكلما ... ويأوى إلى الرسن الذى منه قوما
فلا هو حى يستحق زيارة ... ولا هو ميت فيرجو ترحما
قال ومما سمعته من أبي العباس المنجور في بعض رجال الحديث يعظ نفسه: