فقد ورد على كتابكم المشرف بذكر الله تعالى وولدكم المكرم جعله الله تعالى من المتقين، وأنبته نباتا حسنا وعلمه علماً نافعا ولا يجعله من المبعدين، من رحمة رب العالمين، وصلي الله على سيدنا ومولانا محمَّد الكريم، ولتعلم أني ما شككت فيكم وقد أيقنت أنكم ما أرسلتموه إلا من أجل الله عَزَّ وَجَلَّ وطلب مرضاته، وبعد: فإني لم أكن للزيارة أهلا, ولا للقربة محلا، وإنما سترني الكريم بفضله، ولطف بي بحلمه، ولله الحمد على نعمته الظاهرة والباطنة، ولتعلم أنى قصدت بنصيحتى لك وجه الله العظيم خاصة فإني لا أطمع في مخلوق أن يكسبني مالا ولا جاها لاكتفائي بمولاي جل جلاله وتقدست أسماؤه.
ولتعلم يا أمير المؤمنين وفقك الله للخير أن الله عَزَّ وَجَلَّ ناظر إليك في كل حين وفي كل ساعة وكل نفس وكل طرفة، ولابد لك من لقائه، ويسألك عما دق وجل، وينشر عليك عدله، ويسألك عن أمر خلقه وما صنعت، هذا إِن طالبك جل جلاله. وأما إِن عفا عنك ونشر عليك رحمته وفسح لك فلا راد لفضله ولا لحكمه جل جلاله وتقدست أسماؤه.
وليكن أمير المؤمنين مشفقا على نفسه، وليعمل في يومه لما فرط في أمسه، ومن كان يومه شرا من أمسه فيا حسرته ويا وحشته ويا فجعته, وأعظم المصائب إعراضه عن ربه عَزَّ وَجَلَّ، وقد أشفق الصالحون والأولياء والمتقون على أنفسهم، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يقرأ قوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} وقال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من يأخذها بما فيها يعني من الأجر الذي يعطي الإمام العادل إشفاقا على نفسه. وقد وقف الفضيل بن عياض بعرفة فقال: ظننت أن هذا الخلق غفر لهم حتى رأيت نفسي فيهم. وكان عطاء يقول: لو مات عطاء استراح الناس. وكسفت الشمس يوما فصاح عتبة الغلام بذنوبي كسفت الشمس. وعرك عثمان بن عفان أذن غلام له لأدب فقال: آه أوجعتني. فقال: عثمان خذ أذني فاعركها، فأبي الغلام فقال عثمان: لا بد من ذلك لأن تقتص مني في الدنيا خير من أن يقتص مني في الآخرة فعرك الغلام أذن عثمان فقال له: اشدد وزد، فقال: أمير المؤمنين